رأسهم نبيّ الإسلام الكريم لأنّ دينه آخر الأديان وأكملها ، فمن تكون رسالته الإبلاغ أكمل الأديان لا بدّ أن يكون هو نفسه أرفع المرسلين ، خاصّة وأنّ القرآن يقول فيه في الآية ٤١ من سورة النّساء (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً)(١).
والشاهد الآخر على هذا الموضوع ، وهو أنّ الآية السابقة تشير إلى فضيلة موسى عليهالسلام، والآية التالية تبيّن فضيلة عيسى عليهالسلام ، فالمقام يتطلّب الإشارة إلى فضيلة رسول الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّ كلّ واحد من هؤلاء الأنبياء الثلاثة كان صاحب أحد الأديان الثلاثة العظيمة في العالم. فإذا كان اسم نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم قد جاء بين اسميهما ، فلا عجب في ذلك ، أو ليس دينه الحدّ الوسط بين دينيهما وأنّ كلّ شيء قد جاء فيه بصورة معتدلة ومتعادلة؟ ألا يقول القرآن : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (٢)!
ومع ذلك ، فإنّ العبارات المتقدّمة في هذه الآية تدلّ على أنّ المقصود من (رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) هم بعض الأنبياء السابقين ، مثل إبراهيم إذ يقول سبحانه في الآية التالية : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي لو شاء الله ما أخذت امم هؤلاء الأنبياء تتقاتل فيما بينها بعد رحيل أنبيائها.
(وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ).
أي أنّنا وهبنا عيسى عليهالسلام براهين واضحة مثل شفاء المرضى المزمنين وإحياء الموتى والمعارف الدينيّة الساميّة.
أمّا المراد من (روح القدس) هل هو جبرئيل حامل الوحي الإلهي ، أو قوى اخرى غامضة موجودة بصورة متفاوتة لدى أولياء الله؟ تقدّم البحث مشروحا في الآية ٨٧ من سورة البقرة ، وعند ما تؤكّد هذه الآية على أنّ عيسى عليهالسلام كان مؤيّدا
__________________
(١) النساء : ٤١.
(٢) البقرة : ١٤٣.