المودعة في الإنسان المتمثّلة في عبادة الله. ولمّا كانت هذه الفطرة موجودة في الإنسان دائما،فإنّ تحريفها كان أيضا موجودا بين المجموعات البشرية المنحطّة دائما. لذلك يمكن القول أنّ تاريخ عبادة الأصنام يكاد يوازي تاريخ ظهور الإنسان على الأرض ، وذلك لأن الإنسان بمقتضى فطرته وخلقه يتوجّه إلى قوّة فوق الطبيعة. إنّ طبيعته هذه كانت تؤيّدها أدلّة واضحة من نظام الوجود تقضي بوجود مبدأ عالم قادر ، وكان الإنسان يدرك هذا بقدر ما عن طريقين ـ فطرته وعقله ـ والإحساس بالجوع في الأطفال مثلا إذا لم يوجّه في الوقت المناسب إلى الغذاء السليم فإنّ الطفل قد يمدّ يده إلى أشياء كالطين والتراب ، ويتعود على ذلك بالتدريج فيفقد صحّته من جراء ذلك. كذلك الإنسان الذي يبحث عن الله بفطرته وعقله إذا لم يوجّه الوجهة الصحيحة يمدّ نظره إلى مختلف الآلهة والأصنام المصطنعة ، فينحني ويسجد لها ويسبغ عليها كلّ صفات الألوهيّة.
ولا حاجة إلى القول بأنّ قصيري النظر والسفهاء يسعون إلى أن يجسّموا كلّ شيء في قالب حسّي ، لأنّ فكرهم لا يفارق منطقة المحسوسات أبدا ، لذلك كان يصعب عليهم عبادة إله غير منظور ومرئي ، ورغبوا في صبّ آلهتهم في قالب حسّي. إنّ هذا الجهل إذا امتزج بفطرة عبادة الله يظهر في صورة عباده الأصنام والآلهة المجسّدة.
وقيل من جهة اخرى : إنّ الأقوام السالفة كانت تقدّس أنبياءها وشخصيّاتها الدينية، فإذا توفي هؤلاء أقامت لهم التماثيل لإحياء ذكراهم مدفوعين بروح تقديس الأبطال ، والغلوّ التي نجدها في ضعفاء العقول ، ومن ثمّ تقديس تماثيلهم إلى حدّ التأليه ، وكان هذا سببا آخر من أسباب عبادة الأصنام.
ومن الأسباب الأخرى لعبادة الأصنام هو أنّ عددا من الموجودات الطبيعية التي هي مصدر خير وبركة للإنسان كالقمر والشمس والنار والماء وغيرها قد