لكي يأتي جوابه موضحا الأمر ، ومزيلا كلّ التباس قد يقع فيه البعض في تلك الحادثة، لذلك أجاب إبراهيم عليهالسلام (بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).
يفهم من هذه الآية أيضا على أنّ الاستدلالات العملية والمنطقية قد تؤدّي إلى اليقين ولكنها لا تؤدّي إلى اطمئنان القلب ، إنّها ترضي العقل لا القلب ولا العواطف. إنّ ما يستطيع أن يرضي الطرفين هو الشهود العيني والمشاهد الحسيّة. هذا موضوع مهمّ سوف نزيده إيضاحا في موضعه.
التعبير بالاطمئنان القلبي يدلّ على أن الفكر قبل وصوله إلى مرحلة الشهود يكون دائما في حالة حركة وتقلّب ولكن إذا وصل مرحلة الشهود يسكن ويهدأ.
(قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً).
«صرهنّ» من «الصور» أي التقطيع ، أو الميل ، أو النداء ، ومعنى التقطيع أنسب.أي خذ أربعة من الطير واذبحهنّ وقطّعهنّ واخلطهنّ.
لقد كان المقصود أن يشاهد إبراهيم عليهالسلام نموذجا من البعث وعودة الأموات إلى الحياة بعد أن تلاشت أجسادها. وهذا لا يأتلف مع أملهنّ ولا مع صح بهنّ وعلى الأخصّ ما يأتي بعد ذلك (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) وهذا دليل على أنّ الطيور قد قطّعت أوّلا وصارت أجزاء. ولعلّ الذين قالوا إنّ (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) تعني استمالتهنّ وايناسهنّ قد غفلوا عن لفظة «جزءا» هذه ، وكذلك الهدف من هذا العمل.
وبذلك قام إبراهيم بهذا العمل وعند ما دعاهنّ تجمّعت أجزائهنّ المتناثرة وتركبّت من جديد وعادت إلى الحياة ، وهذا الأمر أوضح لإبراهيم عليهالسلام أنّ المعاد يوم القيامة سيكون كذلك على شكل واسع وبمقياس كبير جدّا.
ويرى بعضهم أنّ كلمة (سعيّا) تعني أنّ الطيور بعد أن عادت إليهنّ الحياة لم يطرن، بل مشين مشيا إلى إبراهيم عليهالسلام لئنّ السعي هو المشي السريع ، وينقل عن