أن لا تمتنعوا عن إنفاق خير ما عندكم في سبيل الله.
(وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) (١).
اعتاد معظم الناس أن ينفقوا من فضول أموالهم التي لا قيمة لها أو الساقطة التي لم تعد تنفعهم في شيء. إنّ هذا النوع من الإنفاق لا هو يربّي روح المنفق ، ولا هو يرتق فتقا لمحتاج،بل لعلّه إهانة له وتحقير. فجاءت هذه الآية تنهي بصراحة عن هذا وتقول للناس:كيف تنفقون مثل هذا المال الذي لا تقبلونه أنتم إذا عرض عليكم إلّا إذا اضطررتم إلى قبوله؟ أترون إخوانكم المسلمين ، بل أترون الله الذي في سبيله تنفقون أقلّ شأنا منكم؟
الآية تشير في الواقع إلى فكرة عميقة وهي أنّ للإنفاق في سبيل الله طرفين، فالمحتاجون في طرف ، والله في طرف آخر. فإذا اختير المال المنفق من زهيد الأشياء ففي ذلك إهانة لمقام الله العزيز الذي لم يجده المنفق جديرا بطيّبات ما عنده كما هو إهانة للذين يحتاجونه ، وهم ربما يكونون من ذوي الدرجات الإيمانية السامية ، وعندئذ يسبّب لهم هذا المال الرديء الألم والعذاب النفسي.
التعبير بكلمة (الطيّبات) يشمل الطيّب الظاهري الذي يستحقّ الإنفاق والمصرف، وكذلك الطيّب المعنوي ، أي الطاهر من الأموال المشتبه والحرام لأنّ المؤمنين لا يرغبون في تناول مثل هذه الأموال.
وجملة (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) تشمل الجميع ، فما ذهب إليه بعض المفسّرين من حصرها بأحد هذين المعنيين بعيد عن الصواب ، ونظير هذه الآية ما جاء في سورة آل عمران الآية ٩٢ حيث يقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وطبعا هذه الآية ناظرة أكثر إلى الآثار المعنويّة للإنفاق.
__________________
(١) «يتمم» في الأصل بمعنى القصد أي شيء وجاءت هنا بهذا المعنى وأطلقت هذه الكلمة على التيمم لأن الإنسان يقصد الاستفادة من التراب الطاهر كما يقول القرآن : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (النساء : ٤٣).