(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ).
وقد ذكر لكلمة (الحكمة) معان كثيرة منها (المعرفة والعلم بأسرار العالم) ومنها (العلم بحقائق القرآن) و (الوصول إلى الحقّ بالقول والعمل) و (معرفة الله تعالى) و (أنّها النور الإلهي الذي يميّز بين وساوس الشيطان وإلهامات الرحمان).
والظاهر هو أنّ الحكمة تأتي بالمعنى الواسع حيث تشمل جميع هذه الأمور بما فيها النبوّة التي هي نوع من العلم والاطّلاع والإدراك ، فهي في الأصل أخذت من مادة (حكم) ـ على وزن حرف ـ بمعنى المنع ، وبما أنّ العلم والمعرفة والتدبير تمنع الإنسان من ارتباك الأعمال الممنوعة والمحرّمة ، فلذا يقال عنها أنّها حكمة.
بديهيّ أنّ القصد من (مَنْ يَشاءُ) ليس إسباغ الحكمة على كلّ من هبّ ودبّ بغير حساب ، بل أنّ مشيئة الله هي دائما منبعثة عن حكمة ، أي أنّه يمنحها لمن يستحقّها، ويرويه من سلسبيل هذه العين الزلال.
(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً).
رغم أنّ واهب الحكمة هو الله فإنّ اسمه لم يرد في هذه الآية وإنما بني الفعل للمجهول (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ).
ولعلّ المقصود هو أنّ الحكمة أمر حسن بذاته بصرف النظر عن مصدرها ومنشئها.
من الملاحظة أنّ الآية تقول : إذا نزلت الحكمة بساحة أحد فقد نزلت بساحته البركة والخير الكثير لا الخير المطلق ، لأنّ السعادة والخير المطلق ليسا في العلم وحده ، بل العلم أهمّ عامل لهما.
(وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ).
«التذكّر» هو حفظ العلوم والعارف في داخل الروح. والألباب جمع لب وهو قلب كلّ شيء ومركزه ، ولهذا قيل العقل اللب.