الآية الكريمة تكشف مؤامرة المشركين وتحمّل المسلمين مسئوليّة مواجهة العدوان حتّى في الأشهر الحرم فتقول الآية : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) أي أنّ الأعداء لو كسروا حرمة واحترام هذه الأشهر الحرم وقاتلوكم فيها فلكم الحقّ أيضا في المقابلة بالمثل ، لأن (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ).
(حرمات) جمع «حرمة» وتعني الشيء الّذي يجب حفظه واحترامه ، وقيل للحرم:حرم لأنّه مكان محترم ولا يجوز هتكه. ويقال الأعمال الممنوعة والقبيحة حرام لهذا السبب ، ولهذا أيضا كانت بعض الأعمال محرّمة في الشهر الحرام والأرض الحرم.
وهذه العبارة (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) تتضمنّ جوابا رابعا لأولئك الّذين اعترضوا على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لإباحته الحرب في الأشهر الحرم ، أو أرض مكّة المكرّمة الحرم الإلهي الآمن ، وتعني أنّ احترام الأشهر الحرم ضروري أمام العدو الّذي يراعي حرمة هذه الأشهر ، أمّا العدو الّذي يهتك هذه الحرمة فلا تجب معه رعاية الاحترام وتجوز محاربته حتّى في هذه الأشهر ، وامر المسلمون أن يهبّوا للجهاد عند اشتعال نار الحرب كي لا تخامر أذهان المشركين فكرة انتهاك حرمة هذه الشّهور.
ثمّ تشرّع الآية حكما عامّا يشمل ما نحن فيه وتقول : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
فالإسلام ـ وخلافا للمسيحيّة الحاليّة الّتي تقول (إذا لطمك شخص على خدّك الأيمن فأدر له الأيسر) (١) ـ لا يقول بمثل هذا الحكم المنحرف الّذي يبعث على جرأة المعتدي وتطاول الظّالم ، وحتّى المسيحيّون في هذا الزّمان لا يلتزمون مطلقا بهذا الحكم أيضا ، ويردّون على كلّ عدوان مهما كان قليلا بعد وان أشد ، وهذا أيضا مخالف لدستور الإسلام في الرّد ، فالإسلام يقول : يجب التصدّي للظّالم
__________________
(١) إنجيل متّى ـ الباب ٥ ـ الرقم ٣٩.