لحقيقة واحدة. ففي البداية تكون الهداية التكوينية التي يهدي بها الله مخلوقاته ومنها الإنسان الذي أودع فيه العقل والفكر والقوى الأخرى.
يلي تلك الهداية هداية الأنبياء والرسل الذين يهدون الناس إلى طريق الحقّ. والهداية هنا بمعنى الإرشاد والتبليغ.
ثمّ تأتي مرحلة العمل فيشمل الله مخلوقاته بتوفيقه فتتمهّد لهم سبل وطرائق تسير عليها نحو التكامل. وهذه هي هداية التوفيق.
وفي العالم الآخر ينالون جزاء أعمالهم الصالحات.
هداية الإرشاد والدعوة التي تشكّل واحدا من أنواع الهداية الأربعة هي من واجبات الأنبياء والأئمّة ، وقسم منها ممّا يتناول تمهيد الطرق ، يدخل معظمه ضمن واجبات الحكومات الإلهية للأنبياء والأئمّة ، والباقي يختصّ بالله تعالى.
وعليه حيثما نجد في القرآن سلب الهداية عن أنبياء ، فذلك لا يخصّ النوعين الأوّلين.
(وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ).
وهي هداية لا تأتي ارتباطا بدون حكمة ولا حساب ، أي أنّه لا يمكن أن يهدي بهذا ويحرم ذاك بغير سبب ، فعلى الإنسان أن يكون جدير بالهداية لكي ينالها ويستفيد منها.
نستخلص من هذه الآية حقيقة أخرى ، وهي أنّه يخاطب نبيّه قائلا : إذا ظهر بين المسلمين ـ بعد كلّ ذلك التحذير من الإنفاق المصحوب بالرياء والمنّ والأذى ـ أفراد ما يزالون يلوّثون إنفاقهم بهذه الأمور ، فلا يسؤك ذلك ، إنّ واجبك هو بيان الأحكام وتهيئة المناخ الاجتماعي السليم ، وليس من واجبك أبدا أن تجبرهم على تجنّب هذه الأمور ، وهذا التفسير لا يتنافى مع التفسير السابق ، فكلاهما محتملان.