يظنّون أنهم من الأغنياء.
ولكن هذا لا يعني أنهم غير معروفين. لذا تضيف الآية (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ).
السيماء : العلامة (١). فهؤلاء وإن لم يفصحوا بشيء عن حالهم ، فإنّ على وجوههم علامات تنطق بما يعانون يدركها العارفون ، فلون وجناتهم ينبئ عمّا خفي من أسرارهم.
٣ ـ والثالث من صفات هؤلاء أنهم لا يصرّون في الطلب والسؤال : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) (٢) أي أنّهم لا يشبهون الفقراء الشحّاذين الذين يلحّون في الطلب من الناس،فهم يمتنعون عن السؤال فضلا عن الإلحاف ، فالإلحاح في السؤال شيمة ذوي الحاجات العاديّين ، وهؤلاء ليسوا عاديّين. وقول القرآن إنّهم لا يلحفون في السؤال لا يعني أنّهم يسألون بدون إلحاف ، بل يعني أنّهم ليسوا من الفقراء العاديّين حتّى يسألوا ، ولذلك لا تتعارض هذه الفقرة من الآية مع قوله تعالى : (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) لأنّهم لا يعرفون بالسؤال.
ثمّة احتمال آخر في تفسير الآية ، وهو أنّهم إذا اضطرّتهم الحالة إلى إظهار عوزهم فإنّهم لا يلحفون في السؤال أبدا ، بل يكشفون عن حاجتهم بأسلوب مؤدّب أمام إخوانهم المسلمين.
(وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ).
في هذه الآية حثّ على الإنفاق ، وعلى الأخصّ الإنفاق على ذوي النفوس العزيزة الأبية ، لأنّ المنفقين إذا علموا أنّ الله عالم بما ينفقون حتّى وإن كان سرّا وأنّه سوف يثيبهم على ذلك ، فستزداد رغبتهم في هذا العمل الكبير.
* * *
__________________
(١) قيل أنها من مادة «وسم» ، وقيل أنها من مادة «سوم».
(٢) «الحاف» من مادة «لحاف» بمعنى الغطاء المعروف ، واطلق على الإصرار في السؤال لأنّه يغطي قلب الشخص المقابل.