في الآية الثانية يقول تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ).
سبق أن شرحنا هذه الآية في سورة البقرة في الآية ٢٥٥.
الآية التي تليها تخاطب نبي الإسلام وتقول : إنّ الله تعالى قد أنزل عليك القرآن الذي فيه دلائل الحقّ والحقيقة ، وهو يتطابق تماما مع ما جاء به الأنبياء والكتب السابقة (التوراة والإنجيل) التي بشّرت (١) به وقد أنزلها الله تعالى أيضا لهداية البشر : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ). ثمّ تضيف الآية (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ).
وبعد إتمام الحجّة بنزول الآيات الكريمة من الله تعالى وشهادة الفطرة والعقل على صدق دعوة الأنبياء ، فلا سبيل للمخالفين سوى العقوبة ، ولذلك تقول الآية محلّ البحث بعد ذكر حقّانيّة الرسول الأكرم والقرآن المجيد : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ).
ومن أجل أن لا يتوهّم أحد أو يشك في قدرة الله تعالى على تنفيذ تهديداته تضيف الآية (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) (٢).
(عزيز) في اللّغة بمعنى كلّ شيء صعب وغير قابل للنفوذ ، ولذلك يقال للأرض الصعبة العبور (عزاز) وكذلك يطلق على كلّ أمر يصعب الحصول عليه لقلّته وندرته (عزيز) وكذلك تطلق هذه الكلمة على الشخص القويّ والمقتدر الذي يصعب التغلّب عليه أو يستحيل التغلّب عليه ، وكلّما أطلقت كلمة (عزيز) على الله تعالى يراد بها هذا المعنى ، أي أنّه لا أحد يقدر على التغلّب عليه ، وأنّ كلّ المخلوقات خاضعة لمشيئته وإرادته.
وفي الجملة الآنفة الذكر ولكي يعرف الكفّار أنّ هذا التهديد جادّ تماما تذكّرهم الآية بأنّ الله عزيز ، أي أنّه قاهر وما من أحد يستطيع أن يقف بوجه تنفيذ
__________________
(١) انظر الجزء الأول ص ١٤٦ في تفسير الآية ٤٠ من سورة البقرة ، شرح (مصدّقا لما بين يديه).
(٢) ذكر بعض المفسّرين أن «ذو» لها معنا أقوى من «صاحب» ولذلك لا نجد في صفات الله أنها تذكر معنى كلمة صاحب بل تذكر دائما مع كلمة «ذو» البحر المحيط : ج ٢ ص ٣٧٩.