مهمّ جدير بالبحث والتدقيق. وعلى العموم يمكن أن تكون النقاط التالية هي السرّ في وجود المتشابهات في القرآن :
أوّلا : إنّ الألفاظ والكلمات التي يستعملها الإنسان للحوار هي لرفع حاجته اليومية في التفاهم. ولكن ما إن نخرج عن نطاق حياتنا الماديّة وحدودها ، كأن نتحدّث عن الخالق الذي لا يحدّه أيّ لون من الحدود ، نجد بوضوح أنّ ألفاظنا تلك لا تستوعب هذه المعاني ، فنضطر إلى استخدام ألفاظ أخرى وإن تكن قاصرة لا تفي بالغرض تماما من مختلف الجهات. وهذا القصور في الألفاظ هو منشأ الكثير من متشابهات القرآن. إنّ آيات مثل (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (١) أو (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٢) أو (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٣) التي سوف يأتي تفسيرها في موضعه ، تعتبر من هذه النماذج. وهناك أيضا تعبيرات مثل «سميع» و «بصير» ، ولكن بالرجوع إلى الآيات المحكمات يمكن تفسيرها بوضوح.
ثانيا : كثير من الحقائق تختصّ بالعالم الآخر ، أو بعالم ما وراء الطبيعة ممّا هو بعيد عن أفق تفكيرنا ، وإنّنا ـ بحكم وجودنا ضمن حدود سجن الزمان والمكان ، غير قادرين على إدراك كنهها العميق. قصور أفق تفكيرنا من جهة ، وسمّو تلك المعاني من جهة أخرى ، سبب آخر من أسباب التشابه في بعض الآيات ، كالتي تتعلّق بيوم القيامة مثلا.
وهذا أشبه بالذي يريد أن يشرح لجنين في بطن أمّه مسائل هذا العالم الذي لم يره بعد،فهو إذا لم يقل شيئا يكون مقصّرا ، وإذا قال كان لا بدّ له أن يتحدّث بأسلوب يتناسب مع إدراكه.
__________________
(١) الفتح : ١٠.
(٢) طه : ٥.
(٣) القيامة : ٣.