وقد أوضح الإمام علي عليهالسلام هذا المعنى في بيان عميق فقال : «لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي : الإسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار ، والإقرار هو الأداء ، والأداء هو العمل»(١).
فالإمام في كلمته هذه يضع للاسم ستّ مراحل ، أولاها التسليم أمام الحقيقة ، ثمّ يقول إنّ التسليم بغير يقين غير ممكن (إذ أنّ التسليم بغير يقين يعني الاستسلام الأعمى ، لا التسليم الواعي). ثمّ يقول إنّ اليقين هو التصديق (أي أنّ العلم وحده لا يكفي ، بل لا بدّ من الاعتقاد والتصديق القلبيّين) والتصديق هو الإقرار (أي لا يكفي أن يكون الإيمان قلبيّا فحسب ، بل يجب إظهاره بشجاعة وقوّة) ، ثمّ يقول إنّ الإقرار هو الأداء (أي أنّ الإقرار لا يكون بمجرّد القول باللسان ، بل هو التزام بالمسؤولية). وأخيرا يقول إنّ الأداء هو العمل (أي إطاعة أوامر الله وتنفيذ البرامج الإلهية) لأنّ الالتزام وتحمّل المسؤولية لا يعنيان سوى العمل. أمّا الذين يسخّرون كلّ قواهم وطاقاتهم في عقد الجلسات تلو الجلسات وتقديم الاقتراحات وما إلى ذلك من الأمور التي لا تتطلّب سوى الكلام فلا هم تحمّلوا التزاما ولا مسئولية ، ولا هم وعوا روح الإسلام حقّا.
هذا أجلى تفسير للإسلام من جميع جوانبه ، ثمّ إنّ الآية تذكر علّة الاختلاف الديني على الرغم من الوحدة الحقيقية للدين الإلهي وتقول : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ).
فعلى هذا إن الاختلاف ظهر أوّلا بعد العلم والاطلاع على الحقائق. وثانيا كانت الدوافع لذلك هي الظلم والطغيان والحسد. فاليهود اختلفوا في خليفة موسى ابن عمرانعليهالسلام واقتتلوا بينهم ، والمسيحيون اختلفوا في أمر التوحيد حيث خلطوه
__________________
(١) نهج البلاغة : قصار الكلمات ، ١٢٠ ، اصول الكافي : ج ٢ ص ٤٥ مع تفاوت يسير.