بكلامه المعسول وعروضه الجذّابة وتظاهره بالمحبّة الحميمة ، لأنّ التاريخ قد أثبت بأنّ أقسى الضربات التي تلقّاها المؤمنون جاءت من هذا الطريق.
لو أنّنا طالعنا تاريخ الاستعمار للاحظنا أنّ المستعمرين جاؤوا دائما في لبوس الصداقة والترحّم وحبّ الإعمار والبناء فتغلغلوا بين طبقات المجتمع.
إنّ كلمة «استعمار» التي تعني الإعمار والبناء دليل على هذا الخداع ، فهم بعد أن يتمكنّوا من إنشاب مخالبهم في جذور المجتمع المستعمر ، يبدأون بامتصاص دمائه بكلّ قسوة وبغير رحمة.
(مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) إشارة إلى أنّ الناس في حياتهم الاجتماعية لا بدّ لهم من اتّخاذ الأولياء والأصدقاء ، فعلى المؤمنين أن يختاروا أولياءهم من بين المؤمنين ، لا من بين الكافرين.
(فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ).
تقول الآية : إن الذين يعقدون أواصر صداقتهم وولاءهم مع أعداء الله ، ليسوا من الله في أيّ شيء من الأشياء ، أي أنّهم يكونون قد تخلّوا عن إطاعة أوامر الله وقطعوا علاقتهم بالجماعة المؤمنة الموحّدة ، وانقطعت ارتباطاتهم من جميع الجهات.
(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً).
هذا استثناء من الحكم المذكور ، وهو أنّه إذا اقتضت الظروف ـ التقية ـ فللمسلمين أن يظهروا الصداقة لغير المؤمنين الذين يخشون منهم على حياتهم.
ولكن الآية تعود في الختام لتؤكّد الحكم الأوّل فتقول : (يُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) فالله ينذر الناس أوّلا بغضب منه وبعقاب شديد ، ثمّ إنّ مرجع الناس جميعا إلى الله. وإن تولّوا أعداء الله نالوا عاجلا نتيجة أعمالهم.
* * *