«تجد» من الوجود ضدّ العدم. ولفظتا «خير» و «سوء» وردتا نكرتين لتفيدا العموم.
أي أنّ الإنسان يجد أعماله الحسنة والقبيحة يوم القيامة مهما تكن قليلة.
بعضهم أوّل هذه الآية وأشباهها وقال إنّ القصد من حضور الأعمال هو حضور ثوابها أو عقابها ، أو حضور سجلّ الأعمال الذي دوّنت فيه الأعمال كلّها.
ولكن من الجلي أنّ ذلك لا ينسجم وظاهر الآية ، لأنّ الآية تقول بوضوح إنّ الإنسان يوم القيامة «يجد» عمله. وتقول : إنّ المسيء يودّ لو أنّ بينه وبين «عمله» القبيح فواصل مديدة. فهنا «العمل» نفسه هو الذي يدور حوله الكلام. لا سجلّ الأعمال ، ولا الثواب والعقاب.
كذلك نقرأ في الآية أنّ المسيء يودّ لو بعد عنه عمله ، ولكنّه لا يتمنّى زوال عمله إطلاقا. وهذا يعني أنّ زوال الأعمال غير ممكن ، ولذلك فهو لا يتمنّاه.
هناك آيات كثيرة أخرى تؤيّد هذا الأمر ، كالآية ٤٩ من سورة الكهف.
(وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) والآيتان ٧ و ٨ من سورة الزلزال (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
سبق أن قلنا إنّ بعض المفسّرين يرون أنّ لفظ «الجزاء» مقدّر وهذا خلاف ظاهر الآية.
يستفاد من بعض الآيات أنّ الدنيا مزرعة الآخرة ، وأنّ عمل الإنسان أشبه بالحبّ الذي يزرع في التربة ، فتنمو تلك الحبّة ، ثمّ يحصد الإنسان معها حبّا كثيرا.
كذلك هي أعمال الإنسان التي تجري عليها تبدّلات وتغيّرات تناسب يوم القيامة ، ثمّ تعود إلى الإنسان نفسه ، كما جاء في الآية ٢٠ من سورة الشورى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ).
ويستفاد من آيات أخرى أنّ الأعمال الصالحة في هذه الدنيا تأتي في الآخرة بصورة نور وضياء ، فيطلبه المنافقون من المؤمنين : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ)