في هذا العالم تخلق في النفس صفات حسنة أو سيّئة ، وهذه الصفات تصبح جزءا متمكّنا من ذات الإنسان ، وتبدأ هذه بإيجاد صورة تناسبها من السعادة أو العذاب.
فذو الباطن الحسن في هذا العالم يتعامل مع مجموعة من الأفكار والتصوّرات الحسنة،والأشرار والخبثاء مشغولون بأفكارهم الباطلة وتصوّراتهم الدنيئة في نومهم ويقظتهم.
وفي يوم القيامة تقوم هذه الصفات نفسها بخلق السكينة والعذاب أو الشقاء والسعادة. وبعبارة أخرى أنّ ما نقرأه عن نعم الجنّة وعذاب جهنّم ليس سوى ما تخلقه هذه الصفات الحسنة أو السيّئة في الإنسان.
٣ ـ فريق ثالث من كبار علماء الإسلام اتّخذوا سبيلا آخر دعموه بكثير من الآيات والأحاديث. يقول هؤلاء : إنّ لكلّ عمل من أعمالنا ـ حسنا كان أم سيّئا ـ صورة دنيوية هي التي نراها ، وصورة أخروية كامنة في باطن ذلك العمل. وفي يوم القيامة ، وبعد أن تكون قد طرأت عليه تحوّلات كثيرة ، يفقد صورته الدنيوية ويظهر بصورته الأخروية فيبعث على راحة فاعله وسكينته ، أو شقائه وعذابه.
هذه النظرة ، من بين النظرات الأخرى ، تتّفق مع كثير من آيات القرآن ، وبناء على ذلك ، فإنّ أعمال الإنسان ـ وهي مظاهر مختلفة من الطاقة ـ لا تفنى بموجب قانون بقاء «المادة / الطاقة» وتبقى أبدا في هذه الدنيا ، على الرغم من أنّ الناظر السطحي يظنّها قد تلاشت.
إنّ بقاء هذه الأعمال بقاء أبديا يتيح من جهة أن يراها الإنسان عند محاسبته يوم القيامة ولا يبقى له مجال للإنكار ، كما يتيح للإنسان من جهة أخرى أن يعيش يوم القيامة بين أعماله ، فيشقى أو يسعد. وعلى الرغم من أنّ علم الإنسان لم يبلغ بعد مرحلة اكتشاف الماضي ، إلّا للحظات قليلة سابقة (١) ، فممّا لا شكّ فيه أنّه لو تمّ
__________________
(١) اكتشف العلماء جهاز تصوير يعمل بالأشعة ما تحت الحمراء تستطيع أن تصوّر حدثا لم يمض عليه أكثر من