وكلمة «أنبتها» إشارة إلى تكامل مريم أخلاقيا وروحيا. كما أنّه يتضمّن نكتة لطيفة هي أنّ عمل الله هو «الإنبات» والإنماء. أي كما أنّ بذور النباتات تنطوي على استعدادات كامنة تظهر وتنمو عند ما يتعهّدها المزارع ، كذلك توجد في الإنسان كلّ أنواع الاستعدادات السامية الإنسانية التي تنمو وتتكامل بسرعة إن خضعت لمنهج المربّين الإلهيّين ولمزارعي بستان الإنسانية الكبير ، ويتحقّق الإنبات بمعناه الحقيقي.
(وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا).
«الكفالة» ضمّ شيء إلى آخر. لذلك يطلق على من يلتزم رعاية شؤون أحد الأطفال اسم «الكافل» أو «الكفيل» ، أي أنّه يضمّ الطفل إليه. إذا استعملت الكلمة ثلاثية مجرّدة كانت فعلا لازما ، وتتعدّى بنقلها إلى باب الثلاثي المزيد «كفّل» أي انتخاب الكفيل لشخص آخر.
في هذه الآية يقول القرآن : اختار الله زكريّا كي يتكفّل مريم ، إذ أنّ أباها عمران قد ودّع الحياة قبل ولادتها ، فجاءت بها أمّها إلى بيت المقدس وقدّمتها لعلماء اليهود وقالت :هذه البنت هديّة لبيت المقدس ، فليتعهّدها أحدكم ، فكثر الكلام بين علماء اليهود، وكان كلّ منهم يريد أن يحظى بهذا الفخر ، وفي احتفال خاص ـ سيأتي شرحه في تفسير الآية ٤٤ من هذه السورة ـ اختير زكريّا ليكفلها.
وكلّما شبّت وتقدّم بها العمر ظهرت آثار العظمة والجلال عليها أكثر إلى حدّ يقول القرآن عنها :
(كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً).
«المحراب» هو الموضع الذي يخصّص في المعبد لإمام المعبد أو لأفراد من النخبة. وذكروا في سبب تسميته بهذا الاسم أوجه كثيرة ، أوجهها ثلاثة : أحدها : إنّ