ولدا من الله ـ كما نقرأ في الآية التالية ـ دليل ثالث على ذلك.
بيد أنّ بعض المفسّرين ـ مثل صاحب المنار ـ يرون أنّ «رزقا» تعني هذا الطعام الدنيويّ المألوف. يقول ابن جرير : إنّ قحطا أصاب بني إسرائيل يومئذ ، ولم يعد زكريّا قادرا على سدّ جوعة مريم. لذلك اقترعوا فكانت من نصيب رجل نجّار ، فأخذ هذا يقتطع من كسبه الطيّب الحلال ليهيّئ الطعام لها ، فكان هذا هو الطعام الذي يراه زكريّا في محرابها ويعجب من وجوده في تلك الظروف الصعبة. وكان جواب مريم يعني أنّ الله قد سخّر لي مؤمنا فأحبّ القيام بهذه الخدمة الشاقّة.
ولكن ـ كما قلنا ـ هذا التفسير لا يتّسق مع القرائن الموجودة في الآية ، ولا مع الأحاديث الواردة في تفسيرها ، ومنها ما ورد في تفسير العيّاشي عن الإمام الباقر عليهالسلام ما ملخّصه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دخل يوما على ابنته فاطمة عليهاالسلام وهو يعلم أنّها لم تكن تملك طعاما يذكر منذ أيّام ، فوجد عندها طعاما وافرا خاصّا ، فسألها عنه ، فقالت : هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ عليهالسلام : ألا أحدّثك بمثلك ومثلها؟ قال : بلى ، قال : مثل زكريّا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا، قال : يا مريم أنّى لك هذا؟ قالت : هو من عند الله ، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب ... (١).
وفيما يتعلّق بعبارة «بغير حساب» فقد شرحنا ذلك في تفسير الآية ٢٠٢ من سورة البقرة ، والآية ٢٧ من هذه السورة.
* * *
__________________
(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ص ١٧٢.