ولكن الذي لا بدّ من قوله الآن هو أنّ هذه الآية ليس فيها دليل على موت عيسى ، على الرغم من أنّ بعضهم تصوّر أنّ كلمة «متوفّيك» من «الوفاة».
وعلى ذلك فإنّهم يرون أنّ هذا الموضوع يتعارض مع الرأي السائد بين المسلمين ، والذي تؤيّده الأحاديث ، من أنّ عيسى لم يمت وأنّه حي. ولكن الأمر ليس كذلك.
«الفوت» هو بعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذّر إدراكه. و «الوافي» الذي بلغ التمام ، ووفى بعهده إذا أتمّه ولم ينقضه. وإذا استوفى أحد دينه من المدين قيل «توفّى دينه».
وفي القرآن وردت «توفّى» كرارا : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) (١). فهنا عبّر عن النوم بكلمة «يتوفّاكم».
هذا المعنى نفسه يرد في الآية ٤٢ من سورة الزمر ، كما ترد كلمة «توفّى» في آيات أخرى بمعنى الأخذ.
صحيح أنّ «توفّى» قد تأتي أحيانا بمعنى الموت ، ولكنّها حتّى في تلك المواضع لا تعني الموت حقّا ، بل بمعنى قبض الروح. والواقع أنّ مادّة «فوت» ومادّة «وفي» منفصلتان تماما.
ممّا تقدّم يكون تفسير الآية واضحا.
يقول الله : يا عيسى إنّني سوف استوفيك وأرفعك إليّ. وهذا يعني حياة عيسى ، لا موته (وطبعا إذا كانت كلمة «توفي» بمعنى قبض الروح فقط. فإن لازم ذلك هو الموت).
ثمّ تضيف الآية (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا).
__________________
(١) الأنعام : ٦٠.