بشأن الوهية المسيح : إنّ ولادة المسيح من غير أب لا يمكن أن تكون دليلا على أنّه ابن الله أو أنّه الله بعينه ، لأنّ هذه الولادة قد جرت لآدم بصورة أعجب فهو قد ولد من غير أب ولا أم. وعليه ، فكما أنّ خلق آدم من تراب لا يستدعي التعجّب ، لأنّ الله قادر على كلّ شيء ، ولأن «فعله» و «إرادته» متناسقان فإذا أراد شيئا يقول له : كن فيكون ، كذلك ولادة عيسى من أمّ وبغير أب ، ليست مستحيلة.
وأساسا ، فإن الميسور والمعسور يتحقّقان بالنسبة لمن كانت قدرته محدودة كما في المخلوقات ، أمّا من كانت قدرته مطلقة فلا مفهوم للصعب والسهل بالنسبة له. فخلق ورقة واحدة تتساوى بالنسبة له مع خلق غابة من آلاف الكيلومترات ، وخلق ذرة واحدة كخلق المنظومة الشمسية لديه.
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ).
هذه الآية تؤكّد الموضوع وتقول : إنّ ما أنزلنا عليك بشأن المسيح أمر حقيقي من الله ولا يعتوره الشكّ ، فلا تتردّد في قبوله.
في تفسير (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) للمفسّرين رأيان : الرأي الأول يقول : إنّ الجملة مبتدأ وخبر ، وبذلك يكون المعنى : الحقّ دائما من ربّك ، وذلك لأنّ الحقّ هو الحقيقة ، والحقيقة هو الوجود ، وكلّ وجود ناشئ من وجوده. لذلك فكلّ باطل عدم ، والعدم غريب على ذاته.
الرأي الثاني يقول : إنّ الجملة خبر لمبتدأ محذوف تقديره «تلك الأخبار».أي تلك الأخبار التي أنزلناها عليك حقائق من الله. وكلّ من التفسيرين ينسجم مع الآية.
* * *