يباعدوا بين المسلمين والإسلام ، ولم يتوانوا في سبيل ذلك في بذل كلّ جهد ، حتّى أنّهم طمعوا في إغراء أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المقرّبين لعلّهم يستطيعون صرفهم عن الإسلام. ولا شكّ أنّهم لو نجحوا في التأثير على عدد منهم ، أو حتّى على فرد واحد منهم ، لكان ذلك ضربة شديدة على الإسلام تمهّد الطريق لتضليل الآخرين أيضا.
هذه الآية تكشف خطّة الأعداء ، وتنذرهم بالكفّ عن محاولاتهم العقيمة استنادا إلى التربية التي نشأ عليها هذا الفريق من المسلمين في مدرسة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بحيث لا يمكن أن يكون هناك أيّ احتمال لارتدادهم. إنّ هؤلاء قد اعتنقوا الإسلام بكلّ وجودهم ، ولذلك فإنّهم يعشقون هذه المدرسة الإنسانية بمجامع قلوبهم ويؤمنون بها. وبناء على ذلك لا سبيل للأعداء إلى تضليلهم ، بل أنّهم إنّما يضلّون أنفسهم.
(وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) وذلك لأنّهم بإلقاء الشبهات حول الإسلام وعلى رسول الإسلام واتّهامهما بشتّى التهم ، إنّما يربّون في أنفسهم روح سوء الظن. وبعبارة أوضح : إن العيّاب الذي يتصيّد الهفوات يعمى عن رؤية نقاط القوّة ، أو بسبب تعصّبه وعناده يرى النقاط المضيئة الإيجابية نقاطا مظلمة سلبية ، وكلّما ازداد إصرارا على هذا ، إزداد بعدا عن الحقّ.
ولعلّ تعبير (وَما يَشْعُرُونَ) إشارة إلى هذه الحالة النفسية ، وهي أنّ الإنسان يقع دون وعي منه تحت تأثير أقواله هو أيضا ، وفي الوقت الذي يحاول فيه بالسفسطة والكذب والافتراء أن يضلّ الآخرين ، لا يكون هو نفسه بمنأى عن التأثير بأكاذيبه ، فتروح هذه الاختلافات تؤثّر بالتدريج في روحه وتتمكّن فيه بعد فترة وجيزة بصورة عقيدة راسخة ، فيصدّقها ويضلّ نفسه بها.
* * *