الآية جميعا ، وإن يكن التفسير الأوّل أقرب إلى الآيات السابقة وإلى سبب نزول هذه الآية.
وفي الآية الثانية يقول تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ).
تخصّ الآية أولئك الذين يقضون أعمارهم كافرين في هذه الدنيا ، ثمّ يموتون وهم على تلك الحال. يقول القرآن ، بعد أن اتّضح لهؤلاء طريق الحقّ ، يسيرون في طريق الطغيان والعصيان ، وهم في الحقيقة ليسوا مسلمين ، ولن يقبل منهم كلّ ما ينفقونه ، وليس أمامهم أيّ طريق للخلاص ، حتّى وإن أنفقوا ملء الأرض ذهبا في سبيل الله.
من الواضح أنّ القصد من القول بإنفاق هذا القدر الكبير من الذهب إنّما هو إشارة إلى بطلان إنفاقهم مهما كثر ، لأنّه مقرون بتلوّث القلب والروح بالعداء لله ، وإلّا فمن الواضح أنّ ملء الأرض ذهبا يوم القيامة لا يختلف عن ملئها ترابا. إنّما قصد الآية هو الكناية عن أهميّة الموضوع.
أمّا بشأن مكان هذا الإنفاق ، أفي الدنيا أم في الآخرة؟ فقد ذكر المفسّرون لذلك احتمالين إثنين ، ولكن ظاهر الآية يدلّ على العالم الآخر ، أي كانوا كافرين (وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) ، فلو كانوا يملكون ملء الأرض ذهبا ، وظنّوا أنّهم بالاستفادة من هذا المال ، كما هي الحال في الدنيا ، يستطيعون أن يدرءوا العقاب عن أنفسهم ، فهم على خطأ فاحش ، إذ أنّ هذه الغرامة المالية والفدية ليست قادرة على التأثير في ما سيواجههم من عقاب. وفي الواقع فان مضمون هذه الآية يشبه قوله تعالى في الآية ١٥ من سورة الحديد : (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا).