يمكن أن يكون هذا التحريم مختصا باليهود عقابا لهم وتنكيلا.
فإذا لم يكن لليهود حجّة على زعمهم ، وإذا تبين لهم صدق الرسول الكريم في دعوته،واتضح لهم أنّه على ملّة إبراهيم ، ودينه الحنيف حقّا يوجب عليهم أن يتبعوه (قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) اتبعوا ملّة إبراهيم الذي كان حنيفا مستقيما لا يميل إلى شيء من الأديان الباطلة ، والأهواء الفاسدة ، بل يسير في الطريق المستقيم ، فلم يكن في دينه أي حكم منحرف مائل عن الحق وحتّى في الأطعمة الطيبة الطاهرة لم يكن يحرم شيئا بدون مبرر أو سبب وجيه للتحريم ... إنه لم يكن مشركا ، فادعاء مشركي العرب بأنهم على ملته محض اختلاق ، فأين الوثنية وأين التوحيد؟ وأين عبادة الأصنام ، وأين تحطيم الأصنام؟ والجدير بالذكر أن القرآن الكريم يكرر هذا الوصف (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) في شأن إبراهيم ويؤكد عليه في مواطن كثيرة ، وما ذلك إلّا لأن العرب الجاهليين الوثنيين كانوا ـ كما ألمحنا ـ ينسبون ديانتهم وعقائدهم الوثنية إلى الخليل عليهالسلام ، ويدعون بأنهم على دينه وملته ، وكانوا يصرون على هذا إلى درجة أن الآخرين سموهم بالحنفاء (أي أتباع إبراهيم) ولذلك كرر القرآن نفي الشرك عن الخليل وصرح مرارا وتكرارا بأنه عليهالسلام كان حنيفا ، ولم يكن من المشركين أبدا (١) ابطالا لذلك الادعاء السخيف ، وتنزيها لساحة هذا النبي العظيم من تلك الوصمة المقيتة.
* * *
__________________
(١) جملة «وما كان من المشركين» جاءت في آل عمران ٦٧ ـ ٩٥ والأنعام ١٦١ والنحل ١٢٤ والبقرة ١٣٥.