ويقول الدكتور «غوستاف لوبون» : معترفا بهذه الحقيقة : «... وإلى زمان وقوع هذه الحادثة المدهشة (يعني الإسلام) الذي أبرز العربي فجأة في لباس الفاتحين ، وصانعي الفكر والثقافة لم يكن يعد أن جزء من أرض الحجاز من التاريخ الحضاري ولا أنه كان يتراءى فيها للناظر أي شيء أو علامة للعلم والمعرفة ، أو الدين» (١).
ويكتب «نهرو» العالم والسياسي الهندي الراحل في هذا الصدد قائلا : «إن قصة انتشار العرب في آسيا وأوروبا وأفريقيا والحضارة الراقية والمدنية الزاهرة التي قدموها للعالم أعجوبة من أعجوبات التاريخ ، ولقد كان محمّد واثقا بنفسه ورسالته ، وقد هيأ بهذه الثقة وهذا الإيمان لأمته أسباب القوّة والعزّة والمنعة» (٢).
لقد كان وضع العرب سيئا إلى أبعد الحدود حتّى أن القرآن يصف تلك الحالة بأنهم كانوا على حافة الانهيار والسقوط إذ يقول : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها).
وتعني «شفا» في اللغة حافة الهاوية وطرف الحفرة أو الخندق وما شابه ذلك ، ومن ذلك «الشفة» ، كما وتستعمل لفظة «شفا» هذه في البرء من المرض ، لأن الإنسان بسببه يكون على حافة السلامة والعافية.
ويريد سبحانه من قوله هذا : أنكم كنتم على حافة السقوط والانهيار في الهاوية ، وأن سقوطكم كان محتملا في كلّ آن ومتوقعا في كلّ لحظة ، لتصبحوا بعد السقوط رمادا ، وخبرا بعد أثر ، ولكن الله نجاكم من ذلك السقوط المرتقب ، وأبدلكم بعد الخوف أمنا ، وبدل الانهيار اعتلاء ومجدا ، وهداكم إلى حيث الأمن
__________________
(١) حضارة العرب لغوستاف لوبون.
(٢) لمحات من تاريخ العالم ص ٢٣ ـ ٢٤.