الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) فلما ذا اخترتم طريق النفاق والفرقة والجاهلية على الاتحاد في ظلّ الإسلام ، فذوقوا جزاءكم العادل، وأما المؤمنون فغارقون في رحمة الله (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
إن هاتين الآيتين تصرحان بأن المنافقين والمتفرقين بعد ما جاءتهم البينات هم المسودة وجوههم الذائقون للعذاب الأليم بسبب كفرهم ، وأما المؤمنون المتآلفون المتحابون المتحدون فهم في رحمة الله ورضوانه مبيضة وجوههم.
ولقد قلنا مرارا أن ما يلاقيه الإنسان من الأوضاع والحالات ، ومن الثواب والعقاب في الحياة الآخرة ليس في الحقيقة سوى أفكاره وأعماله وتصرفاته المجسمة التي قام بها في هذه الحياة الدنيا ، فهما وجهان لعملة واحدة ، إنه تجسم صادق ودقيق لما كان ينويه أو يعمله هنا ليس إلّا.
وبعبارة أخرى : أن لكل ما يفعله الإنسان في هذه الحياة آثارا واسعة تبقى في روحه ، وقد لا تدرك في هذه الحياة ، ولكنها تتجلّى ـ بعد سلسلة من التحولات ـ في الآخرة ، فتظهر بحقائقها الواقعية ، وحيث إن جانب الروح يكون أقوى في الآخرة ، إذ تشتد حاكميتها وسيادتها على الجانب الآخر من الكيان البشري من هنا يكون لتلك الآثار انعكاساتها حتّى على الجسد ، فتبدو الآثار المعنوية للأعمال محسوسة كما يكون الجسد محسوسا لكلّ أحد.
فكما ان الإيمان والاتحاد يوجبان الرفعة وبياض الوجوه في هذا العالم ، ويوجب العكس العكس ، أي أن الكفر والاختلاف يوجبان للأمة الكافرة المتفرقة سواد الوجه والذلة ، فإن هذا البياض والسواد (المجازيين) في الدنيا يظهران في الآخرة بصورة حقيقية حيث يحشر المؤمنون المتحدون المتآلفون بيض الوجوه ،