بل إن تعطيل هذين الواجبين يوجب ضعف العقائد في القلوب ، وانهيار قواعد الإيمان في النفوس ، ولهذا كلّه كان طبيعيا أن يقدّما على الإيمان.
من هذا البيان يتضح أن المسلمين «خير أمة» ما داموا يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فإذا نسوا هاتين الفريضتين وأهملوهما لم يعودوا خير أمة ، كما لم يعودوا في خدمة المجتمع البشري أبدا.
على أن المخاطب في هذه الآية هم عموم المسلمين في جميع العصور كما هو الحال في كلّ الخطابات القرآنية ، فما احتمله البعض من أنه خاص بالمهاجرين أو المسلمين الأوائل لا دليل عليه ، بل الدليل على خلافه.
ثم إن الآية تشير إلى أن دينا بمثل هذا الوضوح ، وتشريعا بمثل هذه العظمة ، وتعاليم تنطوي على مثل هذه الفوائد التي لا تنكر ، ينبغي أن يؤمن به أهل الكتاب من اليهود والنصارى لأن في ذلك صلاحهم ، وخيرهم إذ يقول سبحانه : (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ).
ولكن ـ وللأسف ـ لم يؤمن به إلّا قلّة ممّن نبذ التعصب الأعمى ، واعتنق الإسلام برغبة صادقة ، واستقبل هذا الدين برحابة صدر ، فيما أعرض الأكثرون منهم ، وفضلوا البقاء على ما هم عليه من الكفر والعصبية على إتباع هذا الأمر الإلهي ، متجاهلين حتّى تلك البشائر التي نطقت بها كتبهم حول هذا الدين وإلى هذا يشير سبحانه بقوله (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) الخارجون عن هذا الأمر الإلهي.
* * *