ويرى البعض أن الفرق بين الذلة والمسكنة هو أن الذلة ما كان مفروضا على الإنسان من غيره ، بينما تكون المسكنة ناشئة من عقدة الحقارة وازدراء الذات ، أي أن المسكين هو من يستهين بشخصيته ومواهبه وذاته ، فتكون المسكنة نابعة من داخله ، بينما تكون الذلة مفروضة من الخارج.
وعلى هذا الأساس يكون مفاد قوله تعالى (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) هو : أن اليهود بسبب إقامتهم على المعاصي وتماديهم في الذنوب أصيبوا بأمرين : أولا : طردوا من جانب المجتمع وحل عليهم غضب الله سبحانه ، وثانيا : إن هذه الحالة «أي الذلة» أصبحت تدريجا صفة ذاتية لازمة لهم حتّى أنهم رغم كلّ ما يملكون من امكانيات وقدرات مالية وسياسية ، يشعرون بحقارة ذاتية ، وصغار باطني ، ولهذا لا نجد أي استثناء في ذيل هذه الجملة من الآية.
وهذا هو ما يشير إليه قوله سبحانه إذ يقول : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ* وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) وبذلك يشير سبحانه إلى علة هذا المصير الأسود الذي يلازم اليهود ، ولا يفارقهم.
إنهم لم يصابوا بما أصيبوا به من ذلة ومسكنة ، وحقارة وصغار لأسباب قومية عنصرية أو ما شابه ذلك ، بل لما كانوا يرتكبونه من الأعمال فهم :
أولا : كانوا ينكرون آيات الله ويكذبون بها.
ثانيا : يصرون على قتل الأنبياء الهداة الذين ما كانوا يريدون سوى إنقاذ الناس من الجهل والخرافة ، وتخليصهم من الشقاء والعناء.
ثالثا : إنهم كانوا يرتكبون كلّ فعل قبيح ، ويقترفون كلّ جريمة نكراء ، ويمارسون كلّ ظلم فظيع ، وتجاوز على حقوق الآخرين ، ولا شكّ أن أي قوم يرتكبون مثل هذه الأمور يصابون بمثل ما أصيب به اليهود ، ويستحقون ما