فليست الصداقات والعلاقات بقادرة على أن تمنع أولئك الكفّار ـ بسبب ما يفارقون به المسلمين في العقيدة والمسلك ـ من إضمار الشر للمسلمين ، وتمني الشقاء والعناء لهم (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) أي أحبوا في ضمائرهم ودخائل نفوسهم لو أصابكم العنت والعناء.
إنهم ـ لإخفاء ما يضمرونه تجاهكم ـ يحاولون دائما أن يراقبوا تصرفاتهم ، وأحاديثهم كيلا يظهر ما يبطنونه من شر وبغض لكم ، بيد أن آثار ذلك العداء والبغض تظهر أحيانا في أحاديثهم وكلماتهم ، عند ما تقفز منهم كلمة أو أخرى تكشف عن الحقد الدفين والحنق المستكن في صدورهم : (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ).
وتلك حقيقة من حقائق النفس يذكرها الإمام أمير المؤمنين علي عليهالسلام في إحدى كلماته إذ يقول : «ما أضمر أحد شيئا إلّا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه» (١).
إنه لا بدّ أن يرشح شيء إلى الخارج إذا ما امتلأ الداخل ، كما يطفح الكيل فتنفضح السرائر ، وتبدو الدخائل.
وقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية إحدى سبل التعرف على بواطن الأعداء ودخائل نفوسهم ، ثمّ إنّه سبحانه يقول : (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) أي أن ما يبدو من أفواههم ما هي إلّا شرارة تحكي عن تلك النار القوية الكامنة في صدورهم.
ثمّ إنه تعالى يضيف قائلا : (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) أي أن ما ذكرناه من الوسيلة للتعرف على العدو أمر في غاية الأهمية لو كنتم تتدبرون فيه ، فهو يوقفكم على وسيلة جدا فعالة لمعرفة ما يكنه الآخرون ويضمرونه تجاهكم ، وهو أمر في غاية الخطورة بالنسبة لأمنكم وحياتكم وبرامجكم.
__________________
(١) نهج البلاغة ـ الحكمة ٢٦.