فقد بدأت هذه الآيات بتذكير المسلمين بما تحقق لهم من نصر ساحق بتأييد الله لهم في «بدر» (١) إذ قال سبحانه (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) وقد كان الهدف من هذا التذكير هو شد عزائم المسلمين وزرع الثقة في نفوسهم والاطمئنان إلى قدراتهم ، والأمل بالمستقبل ، فقد نصرهم الله وهم على درجة كبيرة من الضعف ، وقلة العدد وضآلة العدة (حيث كان عددهم ٣١٣ مع امكانيات بسيطة قليلة ، وكان عدد المشركين يفوق ألف مقاتل مع امكانيات كبيرة).
فإذا كان الأمر كذلك فليتقوا الله ، وليجتنبوا مخالفة أوامر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ليكونوا بذلك قد أدوا شكر المواهب الإلهية (فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
ثمّ تتعرض الآية اللاحقة لذكر بعض التفاصيل حول ما جرى في «بدر» إذ قالت :(إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) أي اذكروا واذكر أيّها النبي يوم كنت تقول للمسلمين الضعفاء آنذاك اخرجوا وسيمدكم الله بالملائكة ألا يكفيكم ذلك لتحقيق النصر الساحق على جحافل المشركين المدججين بالسلاح؟
نعم أيها المسلمون لقد تحقّق لكم ذلك في «بدر» نتيجة صبركم واستقامتكم، واليوم يتحقّق لكم ذلك أيضا إذا أطعتم أوامر النبي ، وسرتم وفق تعليماته وصبرتم : (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ) (٢) (هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ).
على أن نزول الملائكة هذا لن يكون هو العامل الأساسي لتحقيق هذا الإنتصار لكم بل النصر من عند الله ، وليس نزول الملائكة إلّا لتطمئن قلوبكم (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ
__________________
(١) «بدر» سميت بدر لأن الماء كان لرجل من جهينة اسمه بدر (مجمع البحرين).
وبدر من حيث اللغة يعني الممتلى الكامل. ولهذا سمي القمر إذا امتلأ : بدرا.
(٢) «الفور» السرعة التي تقلب المعادلات كما يفور القدر وتتقلب محتوياتها بسرعة.