يشمل كلّ أنواع التصرّفات ، أي أنه تعبير كنائي عن أنواع التصرّفات ، و (الأكل) هو أحد المصاديق البارزة له.
ثمّ يشير في ذيل الآية إلى نموذج بارز لأكل المال بالباطل والّذي يتصوّر بعض الناس أنّه حقّ وصحيح لأنّهم أخذوه بحكم الحاكم فيقول : (وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١).
(تدلوا) من مادّة (إدلاء) ، وهي في الأصل بمعنى إنزال الدلو في البئر لإخراج الماء، وهو تعبير جميل للموارد الّتي يقوم الإنسان فيها بتسبيب الأسباب لنيل بعض الأهداف الخاصّة.
وهناك احتمالان في تفسير هذه الجملة :
الأول : هو أن يكون المراد أن يقوم الإنسان بإعطاء قسما من ماله إلى القضاة على شكل هديّة أو رشوة (وكليهما هنا بمعنى واحد) ليتملّك البقيّة ، فالقرآن يقول : إنّكم بالرّغم من حصولكم على المال بحكم الحاكم أو القاضي ظاهرا ، ولكنّ هذا العمل يعني أكل للمال بالباطل ، وهو حرام.
الثّاني : أن يكون المراد أنّكم لا ينبغي أن تتحاكموا إلى القضاة في المسائل الماليّة بهدف وغرض غير سليم ، كأن يقوم أحد الأشخاص بإيداع أمانة أو مال ليتيم لدى شخص آخر من دون شاهد ، وعند ما يطالبه بالمال يقوم ذلك الشخص بشكايته لدى القاضي، وبما أنّ المودع يفتقد إلى الشاهد فسوف يحكم القاضي لصالح الطرف الآخر ، فهذا العمل حرام أيضا وأكل للمال بالباطل.
ولا مانع من أن يكون لمفهوم الآية هذه معنا واسعا يشمل كلا المعنيين في جملة (لا تدلوا) ، بالرغم من أنّ كلّ واحد من المفسرين ارتضى أحد هذين الاحتمالين.
__________________
(١) جمله «تدلوا» عطف على تأكلوا ، فعلى هذا يكون مفهومها «لا تدلوا».