عنك» قالت : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال : اذهبي فأنت حرة لوجه الله (١).
إن هذا الحديث شاهد حي بأن كلّ مرحلة متأخرة من تلك المراحل أفضل من المرحلة المتقدمة.
٥ ـ إنهم لا يصرون على ذنب : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً ، أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ).
و «الفاحشة» مشتقة أصلا من الفحش ، وهو كلّ ما اشتد قبحه من الذنوب ، ولا يختص بالزنا خاصة ، لأن الفحش ـ في الأصل ـ يعني «تجاوز الحدّ» الذي يشمل كلّ ذنب.
هذا وفي الآية أعلاه إشارة إلى إحدى صفات المتقين ، فالمتقون مضافا إلى الاتصاف بما ذكر من الصفات الإيجابية ، إذا اقترفوا ذنبا ، (ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ ، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا).
يستفاد من هذه الآية أن الإنسان لا يذنب ما دام يتذكر الله ، فهو إنما يذنب إذا نسي الله تماما واعترته الغفلة ، ولكن لا يلبث هذا النسيان وهذه الغفلة ـ لدى المتقين ـ حتّى تزول عنهم سريعا ويذكرون الله ، فيتداركون ما فات منهم ، ويصلحون ما أفسدوه.
إن المتقين يحسون إحساسا عميقا بأنه لا ملجأ لهم إلّا الله ، فلا بدّ أن يطلبوا منه المغفرة لذنوبهم دون سواه (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ).
وينبغي أن نعلم أن القرآن ذكر مضافا إلى «الفاحشة» «ظلم النفس» (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) ويمكن أن يكون الفرق بين هذين هو أن الفاحشة إشارة إلى الذنوب الكبيرة ، و «ظلم النفس» إشارة إلى الذنوب الصغيرة.
ثمّ إنه سبحانه تأكيدا لهذه الصفة قال : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
__________________
(١) راجع تفسير الدر المنثور ، ونور الثقلين في ذيل هذه الآية.