لا يقلع ذلك جذور العداء من قلب المرء ، فلا بدّ للتخلص من هذه الجذور والرواسب أن يقرن «كظم الغيظ» بخطوة أخرى وهي «العفو والصفح» ولهذا أردفت صفة «الكظم للغيظ» التي هي بدورها من أنبل الصفات بمسألة العفو.
ثمّ إنّ المراد هو العفو والصفح عن من يستحقون العفو ، لا الأعداء المجرمون الذين يحملهم العفو والصفح على مزيد من الإجرام ، وينتهي بهم إلى الجرأة أكثر.
٤ ـ أنهم محسنون : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
وهنا إشارة إلى مرحلة أعلى من «العفو والصفح» وبهذا يرتقي المتقون من درجة إلى أعلى في سلّم التكامل المعنوي.
وهذه السلسلة التكاملية هي أن لا يكتفي الإنسان تجاه الإساءة إليه بكظم الغيظ بل يعفو ويصفح عن المسيء ليغسل بذلك آثار العداء عن قلبه ، بل يعمد إلى القضاء على جذور العداء في فؤاد خصمه المسيء إليه أيضا ، وذلك بالإحسان إليه ، وبذلك يكسب وده وحبه ، ويمنع من تكرار الإساءة إليه في مستقبل الزمان.
وخلاصة القول أن القرآن يأمر المسلم بأن يكظم غيظه أولا ثمّ يطهر قلبه بالعفو عنه ، ثمّ يطهر فؤاد خصمه من كلّ رواسب الضغينة وبقايا العداء بالإحسان إليه.
إنه تدرج عظيم من صفة إنسانية خيّرة إلى صفة إنسانية أعلى هي قمة الخلق وذروة الكمال المعنوي.
ولقد روي في المصادر الشيعية والسنية في ذيل هذه الآية أن جارية لعلي بن الحسين جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة ، فسقط الإبريق من يدها فشجه ، فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية : إن الله تعالى يقول : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) فقال لها : قد كظمت غيظي. قالت : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) قال : «قد عفوت وقد عفى الله