في حياة البشر حوادث حلوة أو مرّة ولكنها غير باقية ولا ثابتة مطلقا ، فالانتصارات والهزائم ، والغالبية والمغلوبية ، والقوّة والضعف كلّ ذلك يتغير ويتحول ، وكلّ ذلك يزول ويتبدل ، فلا ثبات ولا دوام لشيء منها ، فيجب أن لا يتصور أحد أن الهزيمة فى معركة واحدة وما يتبعها من الآثار امور دائمة ثابتة باقية ، بل لا بدّ من الانتفاع بسنة التحول ، وذلك بتقييم أسباب الهزيمة وعواملها وتلافيها ، وتحويل الهزيمة إلى انتصار ، فالحياة صعود ونزول ، وأحداثها في تحول مستمر ، وتبدل دائم ولا ثبات لشيء من أوضاعها وأحوالها. (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ) (١) (نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) لتتضح سنة التكامل من خلال ذلك.
ثمّ إنه سبحانه يشير إلى نتيجة هذه الحوادث المؤلمة فيقول : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي أن ذلك إنما هو لأجل أن يتميز المؤمنون حقّا عن أدعياء الإيمان.
وبعبارة أخرى : إذا لم تحدث الحوادث المؤلمة في حياة أمة من الأمم وتاريخها لم تتميز الصفوف ولم يتبين الخبيث والطيب ، لأن الانتصارات وحدها تخدع وتغري ، وتصيب المنتصرين بالغفلة بينما تشكل الهزائم عامل يقظة للمستعدين المتهيئين ، وتوجب ظهور القيم،وتعرف بها حقائق الرجال.
ثمّ إنه في قوله : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) يشير إلى إحدى نتائج هذه الهزيمة المؤلمة،بأن هذه النتيجة كانت هي تقديمكم بعض الشهداء في هذه المعركة ، فيجب أن تعلموا أن هذا الدين لم يصل إليكم بالهيّن ، فلا يفلت منكم كذلك في المستقبل.
إن الأمة التي لا تضحي في سبيل أهدافها المقدسة لا تعير تلك الأهداف أهميتها، ولا تعطيها قيمتها اللائقة ، أما إذا ضحت في سبيل أهدافها فإنها هي
__________________
(١) «الأيام» جمع يوم يعبر به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها ، وقد يطلق على فترات الانتصارات الكبرى في حياة الشعوب ، و «نداولها» من المداولة بمعنى إذا صار الشيء من بعض القوم إلى البعض الآخر.