بثالث أجوبة منطقية هي :
١ ـ إن الموت والحياة بيد الله على كلّ حال ، وأن الخروج والحضور في ميدان القتال لا يغير من هذا الواقع شيئا ، وأن الله يعلم بأعمال عباده جميعها : (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
٢ ـ ثمّ إنكم حتّى إذا متم أو قتلتم ، وبلغكم الموت المعجل ـ كما يحسب المنافقون ـ فإنكم لم تخسروا شيئا ، لأن رحمة الله وغفرانه أعظم وأعلى من كلّ ما تجمعه أيديكم أو يجمعه المنافقون مع الاستمرار في الحياة من الأموال والثروات (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
وأساسا لا تصحّ المقارنة بين هذين الأمرين فأين الثرى من الثرايا ، ولكنه أمر لا مفر منه عند مخاطبة تلك العقول المنحطة التي تفضل أياما معدودة من الحياة الفانية وجفنة من الثروة الزائلة على عزة الجهاد وفخر الشهادة.
إنه ليس من سبيل أمام هؤلاء إلّا أن يقال لهم : إن ما يحصل عليه المؤمنون عن طريق الشهادة أو الموت في سبيل الله ، أفضل من كلّ ما يجمعه الكفّار من طريق حياتهم الموبوءة ، المزيجة بالشهوات الرخيصة وعبادة المال والدنيا.
٣ ـ وبغضّ النظر عن كلّ ذلك فإن الموت لا يعني الفناء والعدم حتّى يخشى منه هذه الخشية ويخاف منه هذا الخوف ، ويستوحش منه هذا الاستيحاش ، إنه نقلة من حياة إلى حياة أوسع وأعلى وأجل وأفضل ، حياة مزيجة بالخلود موصوفة بالبقاء (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ).
إن الجدير بالملاحظة في هذه الآيات هو جعل الموت في أثناء السفر ، في مصاف الشهادة في سبيل الله ، لأن المراد بالسفر هنا هي تلك الأسفار التي يقوم بها الإنسان في سبيل الله ولأجل الله كالسفر وشد الرحال إلى ميادين القتال أو للعمل التبليغي ، وذلك لأن الأسفار في تلك العصور كانت محفوفة بالمشاكل ، ومقترنة