من الناس حياة برزخية أيضا (١) ولكن حيث أن حياة الشهداء من النمط الرفيع جدا ، ومن النحو المقرون بأنواع النعم المعنوية ، هذا مضافا إلى أنها هي محط البحث والحديث في هذا السياق القرآني لذلك خصوا بالذكر وخصت حياتهم بالإشارة في هذه الآية ، دون سواهم ودون غيرها أيضا.
إن حياتهم البرزخية محفوفة بالنعم والمواهب المعنوية العظيمة وكأن حياة الآخرين من البرزخيين بما فيها لا تكاد تكون شيئا يذكر بالنسبة إليها.
ثمّ إن الآية التالية تشير إلى بعض مزايا حياة الشهداء البرزخية ، وما يكتنفها ويلازمها من عظيم البركات من خلال الإشارة إلى عظيم ابتهاجهم بما أوتوا هناك فتقول : (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).
ثمّ إن السبب الآخر لابتهاجهم ومسرتهم هو ما يجدونه ويلقونه من عظيم الثواب ورفيع الدرجات الذي ينتظر إخوانهم المجاهدين الذين لم ينالوا شرف الشهادة في المعركة إذ يقول القرآن : (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ).
ثمّ يردف هذا بقوله : (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) يعني أن الشهداء يحسون هناك وفي ضوء ما يرونه أن إخوانهم المجاهدين لن يكون عليهم أي خوف ممّا تركوه في الدنيا،ولا أي حزن من الآخرة ووقائعها الرهيبة.
على أنه من الممكن أن يكون لهذه العبارة تفسير آخر هو أن الشهداء بالإضافة إلى سرورهم وفرحهم لما يشاهدونه من الدرجات والمراتب الرفيعة لإخوانهم الذين لم ينالوا شرف الشهادة ولم يلحقوا بهم ، لا يشعرون هم أنفسهم بأي خوف من المستقبل ولا أي حزن من الماضي (٢).
__________________
(١) ينقسم أصحاب الحياة البرزخية ـ حسبما يذهب إليه بعض المحققين ـ إلى نوعين الصالحون جدا ، والطالحون جدا.
(٢) الضمائر في «لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» حسب التفسير الأول تعود إلى المجاهدين الباقين على قيد الحياة الذين لم يلحقوا بالشهداء ، وعلى التفسير الثاني تعود إلى الشهداء أنفسهم.