فتدركها النفس بها ، وتسمى تلك القوى وجدانا ، والمدركات بها وجدانيات ، وسميت عقلية لخفائها وعدم إدراكها بالحواس الظاهرة كالطعم المدرك بالذوق واللون والمدركات بالعين ، وليست من العقلية الصرفة ؛ لأنها جزئيات موجودة فى الخارج لا كلية تدرك بالعقل كالعلم والحياة ، فإن اعتبرت من حيث إنها كلية تتصور بالعقل خرجت عن معنى كونها وجدانية ، لكن تسمى بذلك باعتبار أصل إدراكها ، ثم مثل للوجدانيات بقوله : (كاللذة) ، وعرفوها بأنها هى إدراك ونيل لما هو عند المدرك كمال وخير من حيث هو كذلك ، فقولهم : إدراك جنس يدخل فيه سائر الإدراكات الحسية والعقلية وعطف النيل عليه إشارة إلى أن مجرد الإدراك ـ أعنى تصور المدرك ـ لا يكون من باب اللذة حتى يكون معه نيل المدرك واتصال به والتكيف بصفته تكيفا حسيا كنيل النفس من القوة الذائقة للمذوق ، أو عقليا كنيل النفس لشرف علمها القائم بها والتذاذها بذلك ، ولم يكتف بالنيل عن الإدراك ؛ لأن مجرد النيل من غير إحساس وشعور بالمدرك لا يكون التذاذا والنيل الذى يكون بعد الشعور بالمدرك وهو المراد هنا إنما يدل على الإدراك بالالتزام فعبر بهما معا لعدم حضور عبارة تجمعهما صراحة ، وخرج بقولهم : لما هو كمال وخير الألم ؛ لأنه إدراك لما هو شر وزاد قوله من حيث هو كذلك ليخرج إدراك لما هو خير من حيث إنه شر كإدراك لدواء نافع مع اعتقاد أنه مهلك فإدراكه ألم ؛ لأنه إدراك من حيث أنه شر فيكون إدراكه ألما ، (و) ك (الألم) وهو إدراك ونيل لما هو شر عند المدرك من حيث هو كذلك ، ولا يخفى مفاد قيود الألم من مفاد قيود اللذة ، ثم إن حد كل من اللذة والألم يشمل عقلى كل منهما ، وهو ما يكون إدراكه بمجرد العقل ، والمدرك عقلى محض كاللذة التى هى إدراك الإنسان شرف علمه المحض والتألم الذى هو إدراكه نقصان جهله الخالص ، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك ، ولكن المقصود اللذة والألم الحسيان ؛ لأنهما هما المحتاج لإدخالهما فى العقلى ، وذلك كاللذة الحاصلة للنفس بنيل الذائقة لمذوقها الحلو أو المر ، كما تقدم ، وبنيل الباصرة لمبصرها الجميل أو الخبيث ، وبنيل اللامسة لملموسها اللين أو الخشن ، وبنيل السامعة لمسموعها المطرب أو المنكر ، وبنيل الشامة لمشمومها الطيب أو المنفر ، وفهم من