جعل كل منهما أصلا أو عكس فى التأصيل والتفريع صح ، ومرجع ذلك إلى الاستعمال القديم والحادث فإن لم يثبت فالأقرب أن كلا منهما أصل وقد يوجه ما ذكر على تقدير عدم تحقق للسابقية بأن الأصل أى : الكثير الجهل والظلمة والخطب فى مثل هذه الاعتبارات سهل بعد تقرر تشبيه السنة ، والعلم بالنور ، والبدعة والجهل بالظلمة ، (وشاع ذلك) التشبيه على ألسنة الناس أى : كثر تداوله فيما بينهم (حتى تخيل) أى : إلى أن تخيل الوهم على قاعدته من إثبات الأحكام على خلاف ما هى بكثرة التقارن والمجاورة (أن الثانى) أى : المذكور فى كلام المصنف ثانيا ، وهو السنة وكل ما هو علم (مما له بياض وإشراق) لكثرة تقارنه فى التشبيه بالنور الحسى ، فتوهم ثبوت وصف المقارن الذى هو النور لذلك الثانى الذى هو السنة والعلم ، فإذا كان الوهم يثبت أحكاما غير متحققة بدون اقتران كثيرا بل مجرد خطور شيء مع غيره يكفيه إثبات أحكام أحدهما للآخر ، فإثباتها مع كثرة المقارنة أحرى ، وهذا الحكم الوهمى يصح البناء عليه والخطاب به لغة وشرعا لظهور المراد ، ويصح أن يكون الاستعمال فيما يمثل به لما فيه من التجوز البليغ (نحو) قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : (أتيتكم بالحنيفية) (١) أى : بالطريقة الحنيفية ، وهى دين الإسلام ، والحنيفية نسبة للحنيف ، والحنيف هو المائل عن كل دين سوى دين الحق ، وعنى به إبراهيم ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (البيضاء) ولا شك أن وصف الطريقة الدينية بالبياض ليس على طريق التحقيق الحسى ، بل لاقترانها بما له بياض فى التشبيه أعطى حكمه وهما ؛ فصح أن يجعل البياض وجه الشبه بينها وبين ما له البياض الحسى لاتصافها به وهما. (و) تخيل (أن الأول) فى كلام المصنف وهو البدعة وكل ما هو جهل كائن (على خلاف ذلك) الثانى بأن يكون هذا الأول مما له سواد وإظلام بالطريق المذكور ، فصح وصفه به لذلك الحكم الوهمى أو لقصد المبالغة فى التشابه ؛ ولذلك يقع فى الكلام (كقولك : شاهدت سواد الكفر من جبين فلان) مع أن الكفر لا سواد له حقيقة ، بل تخيلا ، والجبين ما بين العين والأذن إلى جهة الرأس ، ولكل
__________________
(١) الحديث أخرجه أحمد بنحوه فى المسند (٥ / ٢٦٦) ، وفيه" إنى لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ، ولكننى بعثت بالحنيفية السمحة" وأورده الألبانى بنحوه فى الصحيحة ح (١٧٨٢).