قلنا كذلك لأن الأيضية تقتضي الرجوع لشيء تقدم ، ولا يتأتى إلا بهذا الاعتبار ، ثم الوجه الذي يكون عليه الوجه هنا خلاف الوجه فيما تقدم ؛ إذ هو الاقتران فيما تقدم والمتبادر أنه نفس الهيئة المعتبرة في التشبيه ؛ ولذلك احتجنا إلى تأويله بما تقدم ، وهو هنا التجريد عن غير الحركة ، وليس نفي الهيئة ، بل الهيئة تقارن الحركات المختلفة لكونها (إلى الجهات مختلفة) ، وإنما شرط اختلافها باختلاف الجهات كأن يتحرك بعض محل التشبيه إلى اليمين وبعضه إلى الشمال وبعضه إلى العلو وبعضه إلى السفل ليتحقق التركيب في الهيئة المتعلقة بتلك الحركات ؛ إذ لو اعتبر هيئة حركة واحدة كالاستقامة فيها واعوجاج كان وجه الشبه مفردا ، وهو هيئة تلك الحركة والكلام في المركب ، وقد علمت أن اجتماع الكثرة أكملى لا واجب على مقتضى ظاهر ما تقدم ، وإذا اشترط وجود حركات مختلطة ، ويحقق ذلك غالبا وجود اختلاف الجهات (ف) هيئة حركات الرحا) والدولاب (والسهم) لا تكون من بديع المركب الحسي ؛ إذ (لا تركيب فيها) جميعا ، وإن كان لحركة الرحا والدولاب هيئة الاستدارة ولحركة السهم هيئة الاستقامة ، وإنما قلنا : ويحقق ذلك غالبا وجود اختلاف الجهات ، لأن التركيب قد يحققه كثرة الحركة في أجزاء محل التشبيه وإن كانت الجهة واحدة كأن تشبه أرجل بعض الحيوانات الكثيرة الأرجل بصفى الخبا المتتابع أفراده في هيئة تتابع الحركات وإن كانت إلى جهة واحدة ، وإذا لم تكن حركة السهم والرحا والدولاب من بديع المركب الحسي لم يعد التشبيه بها من هذا الباب لعدم تركيبها (بخلاف) التشبيه بهيئة (حركة المصحف) حيث شبه به البرق (في قوله) ، أي : في ابن المعتز : (وكأن البرق مصحف قار) (١) ، ثم أشار إلى أن وجه الشبه بينهما هو حركة الانطباق والانفتاح بقوله : (ف) ينطبق المصحف (انطباقا مرة) ، وذلك في حال جمع طرفيه لتقليب الورقة المقروءة صفحتها ليقرأ ما في الصفحة الأخرى مع ما في مواليها ، (و) ينفتح (انفتاحا) مرة أخرى ، وذلك عند رد تلك الورقة إلى الجهة المقروءة مضمومة مع الطرف المقروءة ، وكثيرا ما تكون قراءة المصحف بهذه الهيئة إن كان خفيفا يحرك طرفاه لما ذكر وأما إن كان ثقيلا فالغالب أنه
__________________
(١) البيت لابن المعتز فى كتاب الإيضاح تحقيق د / عبد الحميد هنداوى ص (٦٥).