قيل يمكن أن يدعى أن الوجه هنا اختلاف الحركات فيتحد ، وفيه أن ذلك الادعاء رد إلى الجملة مع إمكان التفصيل المناسب اعتباره لبلاغة الشاعر مع ظهور إرادته بالإشارة إلى اختلاف مخصوص فى الحركة ، وذلك يشعر بأن المعتبر التفصيل ، ثم لو فتح هذا الباب ، أعنى كون إمكان الجملة يسقط التفصيل ، انحلت عرى ذنب التشبيه المركب الوجه وكره وسقط اعتباره دفعة ، إذ ما من تفصيل وتركيب إلا ويمكن وجود جملة مشتركة فيه فتقول في عنقود الملاحية مع الثريا الوجه بينهما هو المناسبة في مطلق التشكل واللون وفى محمر الشقيق مع أعلام الياقوت المنشورة على رماح من زبرجد ، الوجه بينهما وجود حمرة متصلة بخضرة والذهاب لمثل هذا مما يسقط وجود الدقائق فى التشبيه العربى رأسا ، ولا سبيل إليه ، فليفهم.
ثم لما بين أن التركيب يقع باعتبار الحركة على الوجهين السابقين وأن ذلك من بديع المركب الحسى أشار إلى أن السكون كذلك ، وربما تشعر مقارنته بالحركة بأن التركيب باعتباره من البديع أيضا فقال : (وقد يقع التركيب فى هيئة السكون) ، وهو أيضا على وجهين :
أحدهما : أن تكون الهيئة التركيبية التى هى وجه الشبه معتبرة فى السكون وحده مجردا عن غيره من أوصاف الجسم ، ولا بد حينئذ من تعدد أفراد السكون ، والآخر أن يعتبر فى تلك الهيئة مع السكون غيره. فالأول (كما) أى : كالوجه (فى قوله) أى : فى قول أبى الطيب : فى صفة كلب (يقعى) (١) ، أى : يجلس على أليتيه (جلوس البدوى) أى : يجلس جلوسا فى إقعائه كجلوس الشخص المنسوب إلى البادية (المصطلى) بالنار ، وخص البدوى بذلك ؛ لأنه فى الغالب هو الذى يقع منه الاصطلاء على ذلك الوجه فإنه إذا أوقد النار على وجه الأرض لا يتمكن له الاصطلاء الذي تبلغ فيه الحرارة داخلة إلا بإقعائه مادّا ركبتيه إلى السماء مستندا على رجليه ويديه ، فقد شبه إقعاء الكلب على أليتيه بجلوس البدوى المصطلى ، ووجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من تقارن سكنات الأعضاء حالة وقوع كل عضو منه موقعه المخصوص به فى إقعائه ، ويريد
__________________
(١) البيت لأبى الطيب المتنبى فى كتاب التلخيص فى علوم البلاغة بتحقيق د / عبد الحميد هنداوى ص (٦٥).