كلفوا بحمل التوراة علما وعملا ، ثم لم يحملوها لأنهم وإن وقع منهم حملها بدعوى الإيمان بها والعمل ببعضها لكن لما لم يعملوا بجميع ما فيها صار حملهم كالعدم ؛ ولذلك يقال فى تفسير لم يحملوها أى : لم يعملوا بما فيها (كمثل الحمار يحمل أسفارا) أى : يحمل كتبا ، فالأسفار جمع سفر بكسر السين وسكون الفاء ، وهو الكتاب لا جمع سفر بفتح السين والفاء ، فليس المعنى يتحمل مشاق السفر ، والمثل يطلق على القصة ، وقد يطلق على الصفة ، فعلى الأول يكون من تشبيه القصة بالقصة ، وعلى الثانى يكون من تشبيه صفة مركبة بأخرى مثلها فى التركيب ، ففى قصة الحمار المرادة هنا أو صفته المركبة كونه له فعل مخصوص هو الحمل ، وكون المحمول أوعية العلم ، وكون الحمار جاهلا بما فيها أى : ليس عالما بما فيها ، وإلا فالجهل مخصوص بذوات العقل ، ويلزم من عدم علمه عدم انتفاعه. ومثل هذا فى قصة أو فى صفة اليهود فإنه روعى فى قصتهم أو فى صفتهم أنهم فعلوا فعلا مخصوصا هو الحمل المعنوى ، وكون المحمول أوعية العلم ، وكونهم جاهلين أى : غير عالمين بما فيها علما نافعا ، وقد علم أن الطرفين إذا كان فيهما تركيب جاء وجه الشبه مركبا مرعيا فيه ما يشير إلى ما اعتبر فى الطرفين فأخذ من الطرفين هنا ما يجمع بينهما ، وتحمل اليهود لما كان معنويا ، واعتبر فى حمل الحمار الحمل الفعلى وجب أن يكون وجه الشبه معنويا جامعا للطرفين ، فأخذ حرمان الانتفاع الذى اشترك فيه الطرفان لاقتضاء عدم العلم وجوده فيهما ، وكون ما حرم الانتفاع به أبلغ نافع لاقتضاء وجوده فيهما كون المحمول فيهما أوعية العلم التى هى أولى ما ينتفع به ، وكون من حرم الانتفاع تحمل التعب فى الاستصحاب لما حرم الانتفاع به لاقتضاء وجوده فيهما كون المحمول غير خفيف التحمل فيهما ، ويجب أن يؤخذ التعب عقليا بمعنى مطلق المشقة على القوة الحيوانية الصادقة بالمحسوسة كما فى مشقة الحمار ، والمعقولة أو مع المحسوسة كما فى مشقة اليهود ، فالطرفان إن اعتبر كونهما صفتين أو قصتين لم يخلوا عن اعتبار العقلية فيهما كما أشرنا إليه ، ويمكن أن يراد بالطرفين الحمار واليهود موصوفا كل منهما بصفته المخصوصة فيمكن حينئذ أن يدعى حسية الطرفين معا ، ويكون ذكر المثل للتأكيد فى التشبيه ، ولا يخلو هذا التقدير عن بعد وتكلف ، وإذا