التعبير فيستغنى عن ذلك المفرد بأخذ الحالة التركيبية من مجموع ما فى اللفظ المركب فلا يكون ثم لفظ هو المشبه به محقق ولا مقدر ، واحترزنا بقولنا ولم يعبر عنه بمفرد عن مثل قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً)(١) فإن المشبه به فيه مركب عبر عنه بلفظ المثل فولى المشبه به الكاف بخلاف ما لم يعبر عنه بالمفرد ، ولا اقتضى الحال تقديره ، بل استغنى عنه بما فى ضمن مجموع اللفظ فلا يلى الكاف فيه المشبه به (نحو) قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ) مِنَ السَّماءِ)(٢) الآية ، أى : بين لهم صفة الحياة الدنيا أو صير لهم صفة الحياة الدنيا ، فعلى التقدير الأول يكون كماء فى موضع الخبر لمبتدأ محذوف ، أى : هى كماء ؛ لأن اضرب لم تتعد إليه ، وعلى الثانى يكون فى موضع المفعول وعلى كل تقدير فليس المراد تشبيه حال الحياة بماء موصوف بما ذكر ولا بمفرد آخر يتمحل تقديره ؛ لأن تكلف التقدير إنما يرتكب لموجب ، وحيث وجد فى الكلام ما يغنى عنه ألغى ، وههنا الحالة المفهومة من مجموع اللفظ أغنت عن التقدير وهى كون النبات بعد نزول الماء من السماء شديد الاخضرار والنضارة ، ثم بإثر ذلك الاخضرار ييبس فتطيره الرياح فيصير المكان خاليا منه ، ويكون منعدما كأن لم يكن ، وهذه الحالة المفهومة من مجموع اللفظ من غير حاجة لتقدير ، أعنى حال النبات المضمحل بعد النضارة والاخضرار هى التى شبهت بها حالة الدنيا فى بهجتها ، وإمالة القلوب لها ، ثم يعقبها الهلاك ، ووجه الشبه وجود التلف ، والهلاك بإثر الإعجاب والاستحسان والانتفاع ، والعاقل من لا يغتر بما كان بتلك الصفة ، وإذا كانت هذه الحالة هى المشبه بها ، وقد استفيدت من مجموع اللفظ صح التشبيه باعتبارها من غير مبالاة بأى لفظ يلى الكاف من مجموع اللفظ المفيد مجموعه لها ، ومن زعم أن هناك تقدير المثل أيضا ، أى : كمثل ماء أنزلناه الآية ، وأن الكاف مع ذلك التقدير مما لم يلها المشبه به فقد سها ؛ لأن المصنف فى الإيضاح صرح بأن الموالاة ، أعنى موالاة المشبه به للكاف ، أعم من أن تكون لفظا أو تقديرا ،
__________________
(١) الجمعة : ٥.
(٢) الكهف : ٤٥.