ظهور المقابلة من الأجزاء ، وذلك كقوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً)(١) الآية ، فإن المراد تشبيه قصة المنافقين بقصة من استوقد نارا ، فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم فى وجود ما يكون نافعا فى الحين ويطمع فى حصول المراد بمباشرته ثم يعقبه الانقطاع الموجب للهلاك والإياس من كل نفع ، ولم يقصد فيه مفرد يقابله مفرد من تلك الجهة الأخرى ، فإن أريد أن يتكلف فى ذلك جعل المنافق كالمستوقد نارا ، وإظهاره للإيمان الذى انتفع به فى الدنيا كوجود ضوء النار المنتفع به حينئذ وانقطاع انتفاع المنافق بالإيمان الذى أظهره بسبب الموت مع عقوبة الهلاك فى النار والحجاب كانطفاء النار للمستوقد ووقوعه فى ظلمة لا يبصر ، ولكن هذه تكلفات ، والمنهج فى مثل تشبيه الهيئة بالهيئة والقصة بالقصة كما دل عليه ذلك هنا وأوجبه صريح ذكر المثل وما يظهر فيه المقابل من كل طرف ، لكن عند التجريد لا يصح التشبيه لعدم صحة المعنى كما فى المثال السابق عند اعتبار المقابلة التكليفية وذلك عند إلغاء لفظ المثل فى غير القرآن العظيم مثلا فإنه لا معنى لتشبيه المنافق وحده بمستوقد النار وحده ومثاله من غيره قوله :
كأنما المريخ والمشترى |
قدامه فى شامخ الرفعه |
|
منصرف بالليل عن دعوة |
قد أسرجت قدامه شمعه (٢) |
فإن تشبيه المريخ وهو النجم المعلوم بالرجل المنصرف عن الدعوة إلى الطعام فى وليمة مثلا لا معنى له منفردا ، وما يصح تشبيه كل مقابل بأخيه حتى يكون من تشبيه المتعدد ، ولكن منع منه وجود الحسن فى التركيب الذى لا يوجد فى المتعدد وذلك كقوله :
__________________
(١) البقرة : ١٧.
(٢) البيتان قالهما القاضى التنوخى على بن داود أبو فهم فى الإيضاح ص (٢٢٨) بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى ، وهما فى عقود الجمان (٢ / ٢٤).