فيمدح التشبيه لذلك لأنه لا يصح الانتقال فيه ممن لم يعرض له ذلك العارض إلا بروية وبصيرة ، وقد تقدم ما يشبه هذا ، فافهم.
(وإما) أن تحصل تلك الندرة أعنى ندرة المشبه به حصولا (مطلقا) أى : من غير تقييد بوقت حضور المشبه ، وتحصل الندرة على وجه الإطلاق (لكونه) أى : المشبه به أمرا (وهميا) كما تقدم فى تشبيه السهام المسنونة الزرق بأنياب الأغوال ، فإن أنياب الأغوال كما تقدم وهمية أى : يفرضها الوهم ، إذ لا وجود لها خارجا ، ومعلوم أن ما لا وجود له خارجا لا يستحضره إلا المتسع فى المدارك فى بعض الأحيان ، فيكون إدراك تعلق وجه الشبه نادرا غير مألوف فلا ينتقل عند روم التشبيه إليه بسرعة ، وإن كان تعلقه بالمشبه ظاهرا ؛ لأن العبرة فى الغرابة وعدمها إنما هو بسرعة الانتقال إلى المشبه به وعدمها لا العلم بالوجه فى المشبه ، فإذا كان تعلقه بالمشبه به نادر الإدراك لندرة إدراكه بنفسه جاء التشبيه غريبا لعدم سرعة الانتقال من كل أحد أو لعدمها أصلا ، (أو) لكون المشبه به (مركبا خياليا) كما مر أيضا فى تشبيه الشقيق بأعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد ، فإن التركيب الخيالى لا وجود لصورته خارجا فلا يعهد ، فيكون الشأن فى إدراكه الندور ، ويلزم منه ندرة إدراك تعلق الوجه به أو عدمها قبل التشبيه ، فيكون الانتقال بعد الاتساع واستعمال الفكرة ، فيكون غريبا على ما قررناه فى الوهم ، (أو) لكون المشبه به (مركبا عقليا) كما مر فى تشبيه مثل أحبار اليهود بمثل الحمار يحمل أسفارا فإن المراد بالمثل القصة كما تقدم ، والقصة اعتبر فيها ـ كما تقدم ـ كون الحمار حاملا لشيء وكون المحمول أبلغ ما ينتفع به ، وكونه مع ذلك محروم الانتفاع به ، وكون الحمل بمشقة وتعب ، وهذه الاعتبارات المدلولات للقصة عقلية وإن كان متعلقها حسيا ، ويحتمل أن يكون سماه مركبا عقليا باعتبار الوجه ـ كما تقدم ـ وإنما ندر حضور المركب مطلقا ؛ لأن الاعتبارات المشار إليها فيه لا يكاد يستحضرها مجموعة إلا الخواص ، فيجرى فى تعلق الوجه ما ذكر مما يوجب عدم سرعة الانتقال فيكون غريبا وقوله : (كما مر) عائد إلى الوهمى والخيالى والعقلى ـ كما قررنا ـ وأشار بذلك إلى الأمثلة التى ذكرناها ، وقد جعل المصنف ندرة حضور المشبه به موجبا للغرابة على