بالوجه إلا نادرا أو لم يتصور أصلا امتنع الانتقال بسرعة عند روم التشبيه بذلك الوجه إلى المشبه به ، وإذا امتنع الانتقال بسرعة لم يكن التشبيه مبتذلا ، وذلك لما هو ظاهر من أن ما يحصل الانتقال فيه بسرعة لظهوره لذاته تشارك فيه العامة والخاصة ، وما لا سرعة فيه لعدم ظهوره لذاته تختص به الخاصة فلا يكون مبتذلا ، وقد تقدم نحو هذا غير ما مرة ، ثم ندرة حضور المشبه به (إما) أن تحصل (عند حضور المشبه) وذلك (لبعد المناسبة) بين المشبه والمشبه به لكونهما من جنسين بعيدى الالتقاء فى مكان واحد ، فإنه أخص فى الذهن من معنى تسارعت النفس إلى استحضار ما يعتاد تلاقيه معه فى المعانى وما تألف اجتماعه معه فى المتخيلة لتقارنهما فيها كما تقارنا خارجه ، أو يزاحم ذلك الحاضر المعتاد غيره فلا ينتقل الذهن إلى ذلك الغير إلا بعد الاتساع فى الأفكار فتنتفى سرعة الانتقال الموجبة للابتذال فيكون التشبيه غريبا ، وذلك (كما مر) أى : كالتشبيه الذى مر فى قوله (١) :
ولا زوردية تزهو بزرقتها |
بين الرياض على حمر اليواقيت |
|
كأنها فوق قامات ضعفن بها |
أوائل النار فى أطراف كبريت |
فإن لا زوردية وهى البنفسجة شبهت بالنار فى أطراف الكبريت ، ومعلوم أن الذى ينتقل إليه بسرعة عند حضورها هى الأزهار والرياحين التى هى من جنسها لا النار فى أطراف الكبريت وإن كانت بنفسها كثيرة الوقوع ، وقد تقدم تحقيق ما فى هذا التشبيه ، ولما كان الانتقال من البنفسج إلى النار المذكورة بعد التأمل والاتساع فى المدارك كان التشبيه غريبا ، فإن قيل لعل الشاعر حضرا عنده حال التشبيه فلا يكون الانتقال غير سريع ، فيكون التشبيه غير غريب بالنسبة إليه ، (قلت) المراد ببعد الانتقال الموجب للغرابة أن يكون الشأن كذلك فى الشيء ولو اتفق الانتقال بسرعة لعارض ،
__________________
(١) البيتان لابن المعتز ، أوردهما في التبيان (١ / ٢٧٣) بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى ، والعلوى فى الطراز (١ / ٢٦٧) ، واللازوردية : البنفسجة نسبة إلى اللازورد ، وهو حجر نفيس ، وعقود الجمان (٢ / ٢١).