ملابسة وجوده فيكون غريبا لبعده عن الجملة التى تسبق إلى النفس لعمومها وكثرة أفرادها ، والتكرار على الحس إنما ينفى الحاجة إلى التأمل إن كان الوجه فيه باديا قليلا ، ليكون كلما لوحظ أدرك فيه الوجه أو قد تقدم ، ما يفهم منه أن بذلك يكون الابتذال فى المحسوس ، وأن النظر بالعين يكون فيه إدراك الجملة ، أو إنما يكون فيه ما هو كتصور الجملة بالقلة والظهور ، وأما عند وجود الكثرة فلا ، ولذلك لو رأيت المرآة فى كف المرتعش دائمة الاضطراب وتكرر عليك إحساسها لم يوجب النظر المتكرر ابتذالا فيها ، لما يبدو من الاستدارة والاستنارة ما هو مثلها ، وأما ما سوى ذلك من الحركة وتموج الإشراق فيهم للفيضان على أطراف الدائرة ثم يبدو له فيرجع ، وإنما يدرك بمزيد تكرر اللفظ وإحداده مرة بعد أخرى مع مصاحبة التأمل فى هيئة اجتماعهما ، وهل كانت كذلك فى الطرفين معا أم لا ، فلهذا مثل لهذا بقوله : وذلك (كقوله والشمس كالمرآة فى كف الأشل) ولا يخفى ما فيه من التفصيل فى وجه الشبه الذى لا يدرك إلا بعد إمعان النظر والتأمل فى تحقق مجموع الكيفية فى الطرفين ، وقد تقدم بيانها كما أشرنا إليها آنفا فيكون بالحاجة إلى الإمعان والتأمل غريبا ؛ لأن الإمعان والتأمل ليس إلا للخواص دون العامة أهل المجازفة ، فإن قيل الحاجة إلى إمعان النظر فى مثل هذا ظاهرة ؛ لأن النظر الأول أو ما يجرى مجراه مما لا إمعان فيه ، ولو تكرر إنما يدرك الجملة أو ما هو كالجملة فى الوضوح كما تقدم ، وأما الحاجة إلى التأمل فإنما هو فى العقليات لا فى الحسيات (قلت) يكفى فى نفى الابتذال الحاجة إلى تدقيق النظر وزيادة ذكر التأمل فى مثل ما ذكر ؛ لأن تحقيق تلك الهيئة الاجتماعية فى الطرفين ونفي احتمال أن تكون فى أحدهما أنقص أمر عقلى وإن أسند إلى الحاسة ، فيسمى الحكم به تاما لتوقفه على الإمعان بالحاسة كتوقف غيره على نظر فليتأمل.
(أو ندور) عطف على قوله : لكثرة أى : خفاء الوجه الموجب للغرابة إما لما فيه من كثرة التفصيل ، وإما لندور أى : قلة (حضور المشبه به) فى ذهن المتكلم ، فإن ندورة الحضور تستلزم عدم إدراك تقرر الوجه فى المشبه به على وجه الكثرة ، بمعنى أن اتصاف المشبه به لا يتصور حيث ندر حضوره إلا نادرا إن أدرك فيه ، وإذا لم يتصور اتصافه