يقال الغرابة إنما تكون من جهة وجه الشبه ، ومعلوم أنه ليس هنا تصرف فى وجه الشبه حتى يكون التشبيه به غريبا ؛ وإنما هنا ادعاء أن هذا الوجه فاق الشمس فى الحسن ، وأنها تستحى منه وغاية ذلك أن يكون من التشبيه المقلوب ، ثم هذا على أن هنا تشبيها ، ونحن لا نسلم أن هنا تشبيها أصلا ؛ إذ لا أداة لفظا ولا تقديرا ؛ وإنما يرد لما بينا من أن التشبيه ضمنى هنا أو كالمصرح به ، وأن الوجه كان ، إلا أنه شرط فى تمام التشبيه به نقصان شيء منه ؛ سواء كان التشبيه المعتبر فى ذلك مقلوبا أو لا ، فتأمله.
فإن الموضع من السهل الممتنع ، ثم أتى بمثال آخر لما فيه تصرف مخرج عن الابتذال ، فقال : (و) ك (قوله : عزماته) (١) أى : عزمات الممدوح بمعنى إراداته المتعلقة بمعالى الأمور (مثل النجوم) حال كون النجوم (ثواقبا) أى : نوافذ فى الظلمات بإشراقها من الثقوب وهو النفوذ ، وسمى لمعان النجوم ثقوبا لظهورها به من وراء الظلمة فكأنها ثقبتها ، ولذلك فسرت الثواقب باللوامع ، وتشبيه العزم بالنجم فى الثقوب الذى هو فى العزم بلوغه المراد أمر مشهور معلوم ؛ ولكن ادعى أن مع ثقوب الإرادة وصفا زائدا وهو عدم الأفول أى : عدم الغيبة ، بل هى دائمة الظهور ، فكأنه قال هذا التشبيه بين الطرفين تام لو لا أن المشبه اختص بشيء آخر عن المشبه به ، وإليه أشار بقوله : (لو لم يكن لل) نجوم ال (ثاقبات أفول) وجواب لو محذوف أى : لتم التشبيه ومن المعلوم أن الثقوب فى الطرفين تخييلى ، وأصله المجاز ، واختل فى أحدهما بانتفاء الوصف اللازم له فى المحل الآخر ، ولا شك أن إدراك هذا الوجه على هذا الشرط غريب ، فالتشبيه به غريب (ويسمى) مثل (هذا التشبيه) التشبيه (المشروط) لتقييد الوجه فى المشبه ، أو المشبه به ، أو كليهما بشرط وجودى أو عدمى يدل عليه بصريح اللفظ أو بسياق الكلام ، ومثال تقييد المشبه به ما ذكر المصنف ، وهو قوله : عزماته مثل النجوم إلخ ، فإنه قيد الوجه فى المشبه به بعدم أفول فلم يتم التشبيه بدونه ، ومثال تقييد المشبه ما لو عكس المثال فقيل : النجوم كعزماته لو لا أنه لا أفول لها ، ومثال تقييدهما معا ما لو قيل زيد فى علمه بالأمور إذا كان غافلا كعمرو فى علمه إذا كان يقظان ، ومثال
__________________
(١) البيت للوطواط فى الإشارات ص (١٩٨) ، والثواقب : السواطع ، والأفول : الغروب.