كالعورة ، يستحى منه صاحبه بين يدى هذا الوجه ، ولما علم وجود الحسن فى وجه الشمس من العادة لتشبيه الوجوه الحسان به ـ استفيد من الكلام أنه استشعر تشبيهه بالشمس ؛ حيث ذكر حسن الوجه معه على العادة ، لكن منعه من التشبيه شدة البعد عن الشمس حتى صارت لو كانت ممن يستحى لم تظهر بين يديه ، فها هنا تشبيه منع من تمامه مانع الزيادة فى الحسن زيادة بلغت النهاية ، فكأنه يقول : هذا الوجه كالشمس فى أصل الحسن فيصح تشبيهه بها ، لو لا أنه زاد عليها زيادة أوجبت لها كونها بحيث تستحى أن تحضر بين يديه ، ولا شك أن هذا المعنى المستفاد من حديث الحياء غاية فى الدقة ، فالتشبيه على هذا ضمنى ، ويحتمل أن يكون المعنى لم تلقه ملاقاة مقايستها نفسها به ، ومعارضتها إياه فى الحسن بأن تدعى أنه كهى ، أو أنها كهو إلا بعدم الحياء ، فيكون التشبيه كالصريح ، وقد شرط فيه انتفاء هذا المانع الذى هو زيادته عليها زيادة أوجبت كونها بحيث لا يتصور لها ذلك إلا بنفى الحياء إن كانت ممن يستحى ، ومثل ذلك بقوله :
إن السحاب لتستحى إذا نظرت |
إلى نداك فقاسته بما فيها (١) |
ولو جعل التشبيه فى الوجه معكوسا ـ وهو الأنسب لهذه المبالغة ـ لأفاد مع تلك المبالغة هذا المعنى ، فتحصل من هذا أنه شبه الشمس بالوجه عكسا للتشبيه ، أو شبه الوجه بالشمس على الأصل ، وشرط فى تمامه وصحته انتفاء مانع لهذا التشبيه ، وهو الزيادة الكثيرة الموجبة لكون المزيد عليه بحيث يستحى أى يحضر بين يدى الزائد فى الحسن ، وإذا فهم ما قررناه ظهرت مطابقة هذا الكلام لما قررناه أولا من أن هنا تشبيها ووجها شرط فى صحته وتمامه انتفاء وصف اعتبر فيه وهو بلوغه النهاية ، ولو كان اعتباره ادعاء ، وإدراك الوجه على هذه الحالة غريب ، أى : إدراك الحسن المشترك بين الشمس والوجه ، على شرط أنه إنما يتم التشبيه به لو فرض فيه انتقاص منه فى ذلك الوجه غريب ، فيكون نفس التشبيه غريبا باعتباره وظهرت موافقته لما بعده من أن التصرف فيه يرجع إلى شرط انتفاء وصف كان ، أو ثبوت وصف لم يكن ، فلا يرد أن
__________________
(١) البيت لأبى نواس فى الإيضاح بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى ص (٢٣٩).