المؤكد استعارة يتقوى ويتجه إذا وصف المشبه به بوصف لا يناسبه فى أصله كقولك : هو بدر يسكن الأرض ، فإن سكنى الأرض ليس وصفا للبدر ، فتقدير الآلة على أن يكون التشبيه لا يصلح لعدم وجود البدر كذلك إلا بتأويل الشرط كما تقدم ، بأن يكون المعنى إلا أنه يسكن الأرض ، فالوجه أن يكون استعارة ، وأنك سميت المشبه بدرا على وجه الاستعارة ، فلما جعلته من جنس البدر أثبت له خصوصية زاد بها على أفراد جنسه وهو سكناه الأرض ، وأما إذا لم يوصف كقولك : زيد الأسد قرب تسميته تشبيها ؛ لأن تقدير الأداة لا يحوج إلى تأمل هذا إذا ذكرت الطرفين وقد جرى أحدهما على الآخر خبرا أو نعتا أو حالا ليتمكن تقدير الأداة بلا تكلف ، وأما إذا ذكرتهما لا على ذلك الوجه فإن لم يكن على وجه التجريد كان استعارة كقوله :
قد زر أزراره على القمر
كما يأتى ، وإن ذكر على وجه التجريد الآتى كقولك : لقيت بزيد بحرا ولقيت منه أسدا فلا يسمى تشبيها مؤكدا ولا استعارة على المشهور ، أما عدم تسميته استعارة فلأنه لم يستعمل المشبه به منهما فى الآخر ـ كما هو شأن الاستعارة ـ وإنما استعمل فى فرد آخر جرد من المشبه وأخرج منه ، وأما عدم تسميته تشبيها فلأنه ليس على طريق الدلالة على المشاركة بين أمرين : وهو أن يذكرا للجمع بينهما وليستفاد التشبيه من ذكرهما مع الآلة حقيقة أو تقديرا ، فإن ذلك شأن التشبيه ولم يوجد فيه ، وإنما استفيد التشبيه منه بالتأمل فى أصل المعنى ، فالتشبيه فيه لا باعتبار الصيغة ، والسكاكى يسميه تشبيها نظرا لما يفهم من أصل المعنى ، وغيره يسميه تجريدا ولا حجر فى الاصطلاح ، ومن ثم كان الخلف لفظيا أيضا للاتفاق على المراد من معناه ، وقد تقدم تسميته نحو : على لجين الماء تشبيها نظرا لما تشعر به نسبة الإضافة ولم يجعل مما يفتقر إلى النظر فى أصل المعنى كما فى الاستعارة والتجريد.
هذا تمام الكلام على باب التشبيه الذى هو أصل مجاز الاستعارة التى هى نوع من المجاز ولما فرغ منه شرع فى مطلق المجاز وأضاف إليه ذكر الحقيقة لكمال تعريفه بها لا لتوقفه عليها كما سنبينه ـ إن شاء الله تعالى.