أنف الدابة فهو مرسل ، وإذا استعمل في أنف الإنسان للمشابهة كأن يكون فيه اتساع وتسطيح كأنف الدابة فهو استعارة ؛ فيكون لفظا واحدا يصح فيه الإرسال والاستعارة في مصدوق واحد باعتبارين والمفهوم مختلف ، كما تقدم في المشفر ، وذلك ظاهر.
ثم هذا التعريف للاستعارة إنما هو إذا أطلقت ، كما تقدم و (قد تقيد بالتحقيقية) فيكون تعريفها : ما استعمل في غير ما وضعت له لعلاقة المشابهة مع تحقق ما استعملت فيه نفس الأمر ، فتتميز عن المكنى عنها والتخييلية (لتحقق معناها) حينئذ ؛ أي : حين استعملت فيه وعنى بها (حسا أو عقلا) دونهما.
والمراد بالتحقق الحسي : أن يكون معناها مما يدرك بإحدى الحواس الخمس فيصح أن يشار إليه إشارة حسية بأن يقال : نقل اللفظ لهذا المعنى الحسي ، وبالتحقق العقلي : أن لا يدرك بالحواس ولكن يكون متحققا في نفسه بحيث يدركه العقل ثابتا ثبوتا لا يصح للعقل نفيه والحكم ببطلان معناه في نفس الأمر باعتبار نظره ؛ أعني : نظر العقل خاصة ، بخلاف الأمور الوهمية فإن العقل يحكم ببطلانها دون الوهم ؛ فتصح الإشارة إليه إشارة عقلية بأن يقال : هذا الشيء المدرك الثابت عقلا هو الذي نقل له اللفظ.
أما خروج التخييلية بالتحقق فظاهر على مذهب السكاكي كما يأتي إن شاء الله تعالى في قوله :
وإذا المنية أنشبت أظفارها (١)
لأن الأظفار عنده استعيرت لصورة وهمية لا حقيقة لها ، وأما على مذهب المصنف فالمراد بالأظفار حقيقتها ، فلا يصح إخراجها إلا أن يعتبر أن الاستعارة إنما هي باعتبار إثباتها للمنية ؛ فيكون وهميا.
وأما خروج المكني عنها فلأنها عند المصنف هي إضمار التشبيه في النفس ، والإضمار أمر وهمي كما قيل ؛ وفيه بحث ؛ لأن الإضمار وإن كان اعتباريا ؛ لأنه عبارة
__________________
(١) البيت لأبي ذؤيب فى تهذيب اللغة (١١ / ٣٨٠) ، (١٤ / ٢٦٠) ، وكتاب الصناعتين ص (٢٨٤) ، وللهذلى فى لسان العرب (١٢ / ٧٠) (تمم) ، والإيضاح ص (٢٦٤) بتحقيق الدكتور / عبد الحميد هنداوى.