عن عدم الإظهار ، لكن لا يخرج بذلك عن تحققه عقلا ، وإلا خرجت الاعتباريات التي تتصف بها المعقولات والمحسوسات عن صحة الاستعارة التحقيقية فيها ، فتختص بالأمور الوجودية ؛ ولا قائل به ؛ فإنها من جملة ما تجري فيه العدميات.
وأما عند السكاكي : فالمنية أريد بها الطرف الآخر على ما يأتي وهو حقيقي ، بل حسي ؛ فلا يصح إخراجها على مذهبه ، ولكن هذا مبني على الأمر الظاهر في مذهبه ، والتحقيق أنه أراد أن المنية أريد بها الطرف الآخر وهو الأسد ادعاء لا حقيقة ، فتكون المكني عنها على مذهبه وهمية لا حقيقية أيضا ؛ لأن كون المنية أسدا غير محقق عقلا ، وفي كونها غير حقيقية ولو على هذا الاعتبار نظر ، لأن المعنى الذي أطلق عليه اللفظ محقق ، وإدخاله في جنس الأسد لو كان يكون به المعنى وهميا كانت كل استعارة وهمية ، فإن الأسد إذا أطلق على الرجل باعتبار الشجاعة لم يطلق عليه حتى أدخل في جنس الأسد ، فتكون وهمية ، وقد تقدم أنها تحقيقية فافهم.
(كقوله) أي : ومثال المتحقق حسا قوله : (لدى أسد شاكي السلاح) (١) أي : تام السلاح ؛ وهو مأخوذ من الشوكة. يقال رجل ذو شوكة ، أي : ذو إضرار ؛ فأصله : شاوك ، ثم أخرت العين فصار منقوصا ، فقيل : شاكي ، وفسرت شوكة السلاح بتمامه ، لأن تمام السلاح معناه كونه أهلا للإضرار به ، فيكون معنى تمامه : شدة حده ، وجودة أصله ، ونفوذه عند الاستعمال ، ويحتمل أن يكون تفسيرها بالتمام ؛ لأن طول السلاح وتمامه يدل على قوة مستعملة فيفهم منه أنه ذو شوكة ، ونسب إلى السلاح لاستلزامه هذا المعنى في صاحبه ، والخطب في ذلك سهل.
(مقذف) اسم مفعول من قذفه رمى به ؛ وهو يحتمل معنيين :
أحدهما : أنه قذف به في الحروب ورمى به فيها حتى صار عارفا بها فلا تهوله فيوصف بالنبالة في تلك الحروب وجسامة ؛ أي : قوة وعظمة خطر فيها من قولهم : هذا الأمر جسيم ؛ أي : عظيم.
__________________
(١) البيت لزهير بن أبى سلمى من معلقته المشهورة ، فى ديوانه ص (٧٣) ، وشرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ٤٠ ، ٤٨) ، والإيضاح ص (٢٥٧).