وأجيب بأنا نلتزم كونه مجازا كما تقدم ؛ فإن قدرت الأداة لم يقل فيه جعله أسدا ، بل جعله شبيها بالأسد ، فلا يكون حينئذ إلا حقيقة. فإذا تقرر بما ذكر أن زيدا جعل أسدا في قولك : رأيت أسدا يرمي لزم كما قررنا فيما تقدم أن اللفظ حقيقة لغوية لإطلاقه على معناه ، وإنما جعل التجوز في كون الشيء غيره ، وهو أمر عقلي وينبغي أن يعلم أن ما تقدم من الاستدلال على جعل المشبه غيره ، إذ بذلك يصح كون المجاز عقليا يغنى عنه إطباق البلغاء على رعاية المبالغة في التشبيه حتى يجعل المشبه نفس الآخر.
نعم ، يرد أن يقال هذه المبالغة وهذا الإدعاء لا ينكره من جعله لغويا ، وكون اللفظ أطلق على غير معناه الحقيقى لا ينكره من جعله عقليا ، وإنما النزاع في أنه هل يسمى بالأول نظرا للإطباق على غير المعنى الأصلي أو بالثاني نظرا لذلك الادعاء فعاد الخلف لفظيا اصطلاحيا تأمل.
ثم أشار إلى ما يتأكد به كون الاستعارة إنما أطلقت على معناه الأصلي بعد ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به فكانت مجازا عقليا لا لغويا كما تقدم فقال (ولهذا) أي ولأجل أن إطلاق الاسم على المسمى بالاستعارة ـ وهو اسم المشبه به ـ إنما هو بعد ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به فصح بذلك كونه مجازا عقليا كما قررنا.
(صح التعجب) الذي أصله أن يشاهد وقوع أمر غريب أو يدرك (في قوله) في غلام قام على رأسه يظلله من الشمس (قامت) (١) حال كونها في وقت تمام القيام (تظللني) أي توقع الظل علي (من الشمس) وضمن التظليل المنع من حر الشمس ، ولذلك عداه بمن أي تمنعني من حر الشمس.
(نفس) فاعل قامت ، ولذلك اتصلت به تاء التأنيث ، وإن كان القائم غلاما من وصف تلك النفس أنها (أعز علي من نفسي. قامت) تلك النفس (تظللنى ومن عجب.
شمس تظللني من الشمس) فقد أطلق الشمس على نفس هذا الغلام ، ولو اعتبر أن لفظ
__________________
(١) البيت في شرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ٤٠) ، والشعر لأبى الفضل بن العميد ، نهاية الإيجاز ص (٢٥٢) ، والطراز (١ / ٢٠٣) ، والمصباح ص (١٢٩).