وضع له ، وهو السبع ، ولو ادعى أن الرجل الشجاع صار أسدا وههنا شيء يحتاج إلى تحقيق يندفع به وهو أن ما ذكر من كون لفظ الاستعارة أريد به غير معناه إنما يكون بنصب القرينة ، ونصب القرينة على إرادة ما لم يوضع له اللفظ ينافي ما أشير إليه من الادعاء والإصرار على أن اللفظ أريد به ما وضع له. والتحقيق الذي يندفع به ذلك أن يقال ليس المراد أن الجنس نفسه الذي قد ادعى دخول المشبه فيه ، وأصر على ثبوته للمشبه نصبت القرينة على عدم إرادته ، وإنما المراد أن المدعى بنى ادعاءه على أن الأسد مثلا جعل له بطريق التأويل والمبالغة فردان ، متعارف وهو الذي له الجراءة المتناهية والغاية في القوة فى جثة ذى الأظفار والأنياب والشكل المخصوص ، وغير متعارف وهو فرد آخر له تلك القوة والجراءة بنفسها لكن في جثة الآدمى وكأن اللفظ على هذا موضوع للقدر المشترك بينهما ، كالمتواطئ ، وادعاء وجود حقيقة في ضمن أفراد غيرها موجود في كلامهم كقول المتنبي في عده نفسه وجماعته من جنس الجن وعد جماله من جنس الطير :
نحن جن برزن في زى ناس |
فوق طير لها شخوص الجمال (١) |
ولما بنى الادعاء على هذا التأويل الذي أشعر به الدخول في الجنسية لا في نفس المستعار منه ، تحقق في محل الاستعارة شيئان :
أحدهما : وهو المتعارف هو الذي وضع له الأسد مثلا في الأصل ، ولو اقتضى هذا التأويل نفى الوضع له بخصوصه.
وثانيهما : وهو غير المتعارف هو الذي لم يوضع له اللفظ بخصوصه ولا بالعموم وإن اقتضى التأويل كونه موضوعا له بالعموم ، فاندفع ما توهم من أن الإصرار على ثبوت الأسدية مثلا للمشبه ينافي نصب القرينة على أنه أريد باللفظ ما ثبتت له الأسدية ، وذلك لأن الذي نصبت القرينة على عدم إرادته هو الفرد الذي ثبتت له الأسدية بشرط أن يكون هذا المتعارف والذي ادعيت له وأصر على ثبوتها له هو الفرد الغير المتعارف ، ولم تنصب القرينة على نفس الجنس الذي ادعى الدخول تحته ، وصدق
__________________
(١) البيت للمتنبى فى ديوانه (١ / ١٦٦) ، والإيضاح ص (٢٦٠) بتحقيق د / عبد الحميد هنداوى.